ولا يستهدف هذا القسطاس المستقيم لمحنة من محنه التي تزري بكرامة العقل الإنساني، كاستهدافه لها وهو في مصطدم التضحية والمنافع، أو في الصراع بين الشهداء وأصحاب الطمع والحيلة. ففي هذا المصطدم يبدو للنظرة الأُولى أنّ الرجل قد أضاع كلّ شيء وانهزم، وهو في الحقيقة غانم ظافر. ويبدو لنا أنّه قد ربح كلّ شيء وانتصر، وهو في الحقيقة خاسر مهزوم. ومن هنا يدخل التأريخ ألزم مداخله وأبيّنها عن قيمة البحث فيه ; لأنّه المدخل الذي يفضي إلى الجزاء الحقّ والنتيجة الحقّة، وينتهي بكلّ عامل أفلح أو أخفق في ظاهر الأمر إلى نهاية مطافه وغاية مسعاه في الأمد الطويل. وقد ظفر التأريخ في الصراع بين الحسين بن علي ويزيد بن معاوية بميزان من أصدق الموازين التي تتاح لتمحيص الجزاء الحقّ في أعمال الشهداء وأصحاب الطمع والحيلة، فقلّما تتاح في أخبار الأُمم شرقاً وغرباً عبرة كهذه العبرة بوضوح معالمها وأشواطها وفي تقابل النصر والهزيمة فيها بين الطوالع والخواتم على اختلاف معارض النصر والهزيمة. فيزيد في يوم كربلاء هو صاحب النصر المؤزّر الذي لا يشوبه خذلان.. وحسين في ذلك اليوم هو المخذول الذي لم يطمح خاذله من وراء الظفر به إلى مزيد.