الحجازيّة »، فلم يرعوا ما بأهل المدينة من الحزن اللاعج والأسى الدفين، وجعلوا همّهم كلّه أن يكرهوا القوم على نسيان خطب الحسين واصطناع الولاء المغتصب ليزيد. فحملوا إلى دمشق وفداً من أشراف المدينة لم يلبثوا أن عادوا إليها منكرين لحكم يزيد مجمعين على خلع بيعته، وراحوا يقولون لأهل المدينة: « إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويضرب بالطنابير، ويعزف عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده الخراب »([512]). وقال رئيسهم عبد الله بن حنظلة الأنصاري ـ وهو ثقة عند القوم لصلاحه وزهده ـ: « لو لم أجد إلاّ بنيّ هؤلاء ـ وكان له ثمانية بنين ـ لجاهدت بهم. وقد أعطاني وما قبلت عطاءه إلاّ لأتقوّى به »([513]). والتهبت نار الثورة بالألم المكظوم والدعوة الموصولة، فأخرج المدنيون والي يزيد وجميع من بالمدينة من الأُمويين ومواليهم، وأعلنوا خلعهم للبيعة. وصدق ابن حنظلة النيّة، فكان يقدّم بنيه واحداً بعد واحد حتّى قتلوا جميعاً، وقتل بعدهم أنفة من حياة يسام فيها الطاعة ليزيد وولاته. وبدا في ثورة المدينة أنّ يزيد لم يستفد كثيراً ولا قليلاً من عبرة كربلاء ; لأنّه سلّط على أهلها رجلاً لا يقلّ في لؤمه وغلّه وسوء دخلته وولعه بالشرّ والتعذيب وعبثه بالتقتيل والتمثيل عن عبيد الله بن زياد، وهو