مسلم بين عقبة المرّي. فأمره أن يسوم الثائرين البيعة بشرطه، وأن يستبيح مدينتهم ثلاثة أيام إن لم يبادروا إلى طاعته، وكان شرطه الذي سامهم إيّاه ـ بعد اقتحام المدينة وانقضاء الأيام الثلاثة التي انتظر فيها طاعتهم ـ « إنّهم يبايعون أمير المؤمنين على أنّهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم ما شاء ! »([514]). وإذا كان شيء أثقل على النفوس من هذا الشرط وأقبح في الظلم من استباحة الأرواح والأعراض في جوار قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. فذاك هو ولاية هذا النكال بيد مجرم مفطور على الغلّ والضغينة مثل مسلم بن عقبة، كأنّه يلقي على الناس وزر مرض النفس ومرض الجسد ومرض الدم الذي أبلاه، ولم يبل ما في طويته من رجس ومكيدة. « فاستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصّاب الغنم، حتّى ساخت الأقدام في الدم وقتل أبناء المهاجرين والأنصار ». وأوقع ـ كما قال ابن كثير ـ « من المفاسد العظيمة في المدينة النبويّة ما لا يحدّ ولا يوصف »([515]).. ولم يكفه أن يسفك الدماء ويهتك الأعراض حتّى يلتذّ بإثارة الآمال والمخاوف في نفوس صرعاه قبل عرضهم على السيف.