زياد وأعوانه، ولكنّه ما عتم([505]) أن رأى بوادر العواقب توشك أن تطبق عليه بالوبال من كلّ جانب حتّى تيقّظ من غفلته بعد فوات الوقت، فعمد إلى المحاسنة والاستدراك جهد ما استطاع، ولم يكن في يقظته على هذا معتصماً بالحكمة والسداد. ولقد رأى البوادر منه غير بعيد ولمّا تنقض ساعات على ذيوع الخبر في بيته قبل عاصمة ملكه.. فنعى ابن الحكم فعلة ابن زياد، وناح نساؤه مشفقات من هول ما سمعن ورأين، وبكى ابنه الورع الصالح معاوية، فكان يقول إذا سئل: « نبكي على بني أُميّة، لا على الماضين من بني هاشم »([506]). ومهما تكن غفلة يزيد، فما أحد قط يلمح تلك البوادر ثمّ يجهل أنّها ضربة هوجاء لن تذهب بغير جريرة، ولن تهون جريرتها في الحاضر القريب ولا في الآتي البعيد. والواقع أنّها قد استتبعت بعدها جرائر شتّى لا جريرة واحدة، وما تنقضي جرائرها إلى اليوم. فلم تنقض سنتان حتّى كانت المدينة في ثورة حنق جارف يقتلع السدود ويخترق الحدود ; لأنّهم حملوا إليها خبر الحسين محمل التشهير والشماتة، وضحك واليهم عمرو بن سعيد حين سمع أصواب البكاء والصراخ من بيوت آل النبي، فكان يتمثّل قول عمرو بن معديكرب: