وغرق فيها ليله ونهاره غير مبال بما يقال، كأنّما هو القائل: « دع عنك لومي، فإنّ اللوم إغراء »([406]). وتحبّ المرأة أن تستحيي وتتوارى من المسبّة في هواها، ثمّ يغلبها هواها، فإذا هي ألقت حياءها للريح، وصنعت ما تحجم عنه التي لم تنازع نفسها قط في هوى، ولم تشعر قط بوطأة الخجل والاستتار. واندفاع المتهجّمين على الشرّ في حرب كربلاء بغير داع من الحفيظة ولا ضرورة ملزمة تقضي بها شريعة القتال، لهو الاندفاع الذي يسبر لنا عمق الشعور بالإثم في نفوس أصحاب يزيد، وقد رأينا من قبل عمق الشعور بالحقّ في أصحاب الحسين.. وما بنا من حاجة إلى البحث عن علّة مثل هذه العلّة لمن خلقوا مجرمين وخلقت معهم ضراوة الحقد والإيذاء لهذا الميدان وغير هذا الميدان، كشمر بن ذي الجوشن ومن جرى مجراه.. فهؤلاء لا يصنعون غير صنيعهم الأثيم كلّما وجدوا السبيل إليه. على أنّها ـ بعد كلّ هذا ـ حرب بين الكرم واللؤم، وبين الضمير والمعدة، وبين النور والظلام.. فشأنها على أيّة حال أن تصبح مجالاً من الطرفين لقصارى ما يبلغه الكرم وقصارى ما يبلغه اللؤم، وقد بلغت في ذلك أقصى مدى الطرفين. * * *