ورأى هذا الرجل صاحب له بعد حين، وقد تغيّر وجهه واسودّ لونه، فقال له: « ما كدت أعرفك »، وكان يعرفه جميلاً شديد البياض([401]). ومنهم من كان يتزاور عن الحسين في المعمعة([402])، ويخشى أن يصيبه أو يصاب على يديه([403]). ولو أنّهم حاربوه لأنّهم علموا أنّه أهل للمحاربة فلم يتزاوروا عنه ولم يتحاشوه لكانت الحرب هنالك حرباً بين رأيين ومذهبين وشجاعتين، ولكنّهم كشفوا أنفسهم بتحاشيهم إيّاه. فإذا هم يحاربون رأيهم الذي يدينون به، ووليهم الذي يضمرون له الحرمة والكرامة، وفي ذلك خزيهم الأثيم. على أنّ الجبن والجشع لا يفسران كلّ ما اقترفه جيش عبيد الله من شرٍّ ولؤم في أيام كربلاء. فلا حاجة بالجبان ولا بالجشع إلى التمثيل والتنكيل أو التبرّع بالإيذاء حيث لا تلجئه الضرورة إليه، وليس قتل الطفل الصغير الذي يموت من العطش وهو على مورد الماء بالأمر الذي يلجِئ إليه الجبن أو يلجئ إليه طلب المال، وقد حدث في أيام كربلاء من أمثال هذا البغي اللئيم شيء كثير رواه الأُمويون، ولم تقتصر روايته على الهاشميين والطالبيين أو أعداء بني