عداوة المرء ما هو جاهله بعقله ومعرض عنه بشعوره ; لأنّهم يحاربون الحقّ وهم يعلمون. ومن ثمّ كانوا في موقفهم ذاك ظلاماً مطبقاً، ليس فيه من شعور الواجب بصيص([399]) واحد من عالم النور والفداء.. فكانوا حقّاً في يوم كربلاء قوّة من عالم الظلام تكافح قوّة من عالم النور. أقربهم إلى العذر يومئذ من اعتذر بالفرق والرهبة ; لأنّهم أكرهوه بالسيف على غير ما يريد.. فكان الجبن أشرف ما فيهم من خصال السوء. وكان منهم أُناس كتبوا إلى الحسين يستدعونه إلى الكوفة ليبايعوه على حرب يزيد، فلمّا ندبهم عمر بن سعد للقائه وسؤاله أحجموا عمّا ندبهم له واستعفوه ; لأنّ جوابهم إن سألوه في شأن مجيئه إليهم: إنّني جئتكم ملبّياً ما دعوتم إليه ! وركب أُناساً منهم الفزع الدائم بقيّة حياتهم ; لأنّهم عرفوا الإثم فيما اقترفوه عرفاناً لا تسعهم المغالطة فيه، ومن هؤلاء رجل من بني أبان بن دارم كان يقول: ـ « قتلت شاباً أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود.. فما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني، فيأخذ بتلابيبي حتّى يأتي جهنّم فيدفعني فيها، فأصبح فما يبقى أحد في الحي إلاّ سمع صياحي »([400]). * * *