إنّما الحكم في صواب الحسين وخطئه لأمرين لا يختلفان باختلاف الزمان وأصحاب السلطان، وهما: البواعث النفسيّة التي تدور على طبيعة الإنسان الباقية، والنتائج المقررة التي مثلت للعيان باتّفاق الأقوال. وبكلٍّ من هذين المقياسين القويين نقيس حركة الحسين في خروجه على يزيد بن معاوية، فنقول: إنّه قد أصاب. أصاب إذا نظرنا إلى بواعثه النفسيّة التي تهيمن عليه، ولا يتخيّل العقل أن تهيمن عليه بواعث غيرها. وأصاب إذا نظرنا إلى نتائج الحركة كلّها نظرة واسعة، لا يستطيع أن يجادل فيها من يأخذ الأُمور بسنّة الواقع والمصلحة، أو من يأخذ الأُمور بسنّة النجدة والمروءة. فما هي البواعث النفسيّة التي قامت بنفس الحسين يوم دعي في المدينة بعد موت معاوية لمبايعة ابنه يزيد ؟ هي بواعث تدعوه كلّها أن يفعل ما فعل ولا تدعو مثله إلى صنيع غير ذلك الصنيع. وخير لبني الإنسان ألف مرّة أن يكون فيهم خلق كخلق الحسين الذي أغضب يزيد بن معاوية، من أن يكون جميع بني الإنسان على ذلك الخلق الذي يرضى به يزيد. فأوّل ما ينبغي أن نذكره لفهم البواعث النفسيّة التي خامرت نفس الحسين في تلك المحنة الأليمة: أنّ بيعة يزيد لم تكن بالبيعة المستقرّة ولا بالبيعة التي يضمن لها الدوام في تقدير صحيح.