هي ليست ضربة مغامر من مغامري السياسة، ولا صفقة مساوم من مساومي التجارة، ولا وسيلة متوسّل ينزل على حكم الدنيا أو تنزل الدنيا على حكمه، ولكنّها وسيلة من يدين نفسه ويدين الدنيا برأي من الآراء هو مؤمن به ومؤمن بوجوب إيمان الناس به دون غيره.. فإن قبلته الدنيا قبلها، وإن لم تقبله فسيّان عنده فواته بالموت أو فواته بالحياة، بل لعلّ فواته بالموت أشهى إليه. هي حركة لا تقاس إذاً بمقياس المغامرات ولا الصفقات، ولكنّها تقاس بمقياسها الذي لا يتكرّر ولا يستعاد على الطلب من كلّ رجل أو في كلّ أوان. ولا ننسى أنّ السنين الستّين التي انقضت بعد حركة الحسين، قد انقضت في ظل دولة تقوم على تخطئته في كلّ شيء وتصويب مقاتليه في كلّ شيء. * * * إنّ القول بصواب الحسين معناه: القول ببطلان تلك الدولة، والتماس العذر له معناه: إلقاء الذنب عليها. وليس بخاف على أحد كيف ينسى الحياء وتبتذل القرائح أحياناً في تنزيه السلطان القائم وتأثيم السلطان الذاهب. فليس الحكم على صواب الحسين أو على خطئه إذن بالأمر الذي يرجع فيه إلى أُولئك الصنائع المتزلّفين الذين يرهبون سيف الدولة القائمة ويغنمون من عطائها، ولا لصنائع مثلهم يرهبون بعد ذلك سيفاً غير ذلك السيف ويغنمون من عطاء غير ذلك العطاء.