ولا يعقل أن يكون هذا كلّه اختلاقاً واختراعاً من الأعداء ; لأنّ الناس لم يختلقوا مثل ذلك على أبيه أو على عمرو بن العاص، وهما بغيضان أشدّ البغض إلى أعداء الأُمويين، ولأنّ الذين حاولوا ستره من خدّام دولته لم يحاولوا الثناء على مناقب فيه تحلّ عندهم محلّ مساوئه وعيوبه، كأنّ الاجتراء على مثل هذا الثناء من وراء الحسبان. ولم يكن هذا التخلّف في يزيد من هزال في البنية أو سقم اعتراه كذلك السقم الذي يعتري أحياناً بقايا السلالات التي تهمّ بالانقراض والدثور، ولكنّه كان هزالاً في الأخلاق وسقماً في الطوية، قعد به عن العظائم مع وثوق بنيانه وضخامة جثمانه واتّصافه ببعض الصفات الجسديّة التي تزيد في وجاهة الأُمراء، كالوسامة وارتفاع القامة. وقد أُصيب في صباه بمرض خطير ـ وهو الجدري ـ بقيت آثاره في وجهه إلى آخر عمره([265])، ولكنّه مرض كان يشيع في البادية، ولم يكن من دأبه أن يقعد بكل من أُصيب به عن الطموح والكفاح. * * *