وقد أفاد من هذه النشأة البدويّة بعض أشياء تنفع الأقوياء، ولكنّها على ما هو مألوف في أعقاب السلالات القويّة تضيرهم وتجهز على ما بقي من العزيمة فيهم.. فكان ما استفاده من بادية بني كلب بلاغة الفصحى وحبّ الصيد وركوب الخيل ورياضة الحيوانات ولا سيّما الكلاب. وهذه صفات في الرجل القوي تزيّنه وتشحذ قواه، ولكنّها في أعقاب السلالات أو عكارة البيت ـ كما يقال بين العامّة ـ مدعاة إلى الإغراق في اللهو والولع بالفراغ ; لأنّها هي عنده كلّ شيء، وليست مدداً لغيرها من كبار الهمم وعظائم الهموم. وهكذا انقلبت تلك الصفات في يزيد من المزية إلى النقيصة.. فكان كلفه بالشعر الفصيح مغرياً له بمعاشرة الشعراء والندماء في مجالس الشراب، وكان ولعه بالصيد شاغلاً يحجبه عن شواغل الملك والسياسة، وكانت رياضته للحيوانات مهزلة تلحقه بأصحاب البطالة من القرّادين والفهّادين. فكان له قرد يدعوه « أبا قيس » يلبسه الحرير، ويطرّز لباسه بالذهب والفضّة، ويحضره مجالس الشراب، ويركبه أتاناً في السباق، ويحرص على أن يراه سابقاً مجلياً على الجياد، وفي ذلك يقول يزيد ـ كما جاء في بعض الروايات ـ: تمسّك أبا قيس بفضل عنانها *** فليس عليها إن سقطت ضمان ألا من رأى القرد الذي سبقت به *** جياد أمير المؤمنين أتان([260])