فمن آدابه وآداب أخيه في ذلك: أنّهما رأيا أعرابياً يخفّف الوضوء والصلاة، فلم يشاءا أن يجبهاه بغلطه، وقالا له: « نحن شابان وأنت شيخ ربّما تكون أعلم بأمر الوضوء والصلاة منّا، فنتوضّأ ونصلّي عندك، فإن كان عندنا قصور تعلمنا »([228])، فتنبّه الشيخ إلى غلطه دون أن يأنف من تنبيههما إليه. ومرّ يوماً بمساكين يأكلون، فدعوه إلى الطعام على عادة العرب، فنزل وأكل معهم، ثمّ قال لهم: « قد أجبتكم فأجيبوني »، ودعاهم إلى الغداء في بيته([229]). * * * ورويت الغرائب في اختبار حذقه بالفقه واللغة، كما رويت أمثال هذه الغرائب في امتحان قدرة أبيه (عليهما السلام). فقيل: إنّ أعرابياً دخل المسجد الحرام، فوقف على الحسن (رضي الله عنه)وحوله حلقة من مريديه، فسأل عنه، فقال لمّا عرّفوه به: « إيّاه أردت، جئت لأُطارحه الكلام، وأسأله عن عويص العربيّة ». فقال له بعض جلسائه: « إن كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب ». وأومأ إلى الحسين (عليه السلام)، فلمّا سلّم على الحسين وسأله عن حاجته، قال: « إنّي جئتك من الهرقل والجعلل والأيتم والهمهم »، فتبسّم الحسين، وقال: « يا أعرابي ! لقد تكلّمت بكلام ما يعقله إلاّ العالمون ».