نيزر »([225])، فأبى أن يبيعها مع حاجته إلى بعض ما عرض عليه ; لأنّ أباه تصدّق بمائها لفقراء المدينة([226])، ولو أنّه باعها لوقفها معاوية على أُولئك الفقراء. وقد أخذ نفسه بسمت الوقار في رعاية أُسرته ورعاية الناس عامّة، فهابه الناس وعرف معاوية عنه هذه المهابة، فوصفه لرجل من قريش ذاهب إلى المدينة، فقال: « إذا دخلت مسجد رسول الله، فرأيت حلقة فيها قوم كأنّ على رؤوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبد الله مؤتزراً إلى أنصاف ساقيه »([227]). ولم يذكر عنه قط أنّه كان يواجه الناس بتخطئة وهو يعلّمهم ويبصّرهم بشؤون دينهم، إلاّ أن تكون مكابرة أو لجاجة، فله في جواب ذلك أشباه تلك القوارص التي كانت تؤثر عن أبيه. وما لم تكن مكابرة أو لجاجة فهو يحتال على تصحيح الخطأ حيلة لا غضاضة فيها على المخطئين.