يكون معه في منزله، وربّما سخط على العبد أو الأمة من حشمه، فيلوي العمود في عنقه، فلا يقدر أحد أن يحلّه عنه حتّى يحلّه يحيى (رضي الله عنه) »([189]). ولمّا ضايقه الأُمراء وضنّوا عليه بجرايته في بيت المال كان يجوع ويعرض عليه الطعام، فيأباه ويقول: « إن عشنا أكلنا »([190]). ثمّ ثار وبلغت أنباء ثورته بغداد، فأقبلت عليهم الجموع المحشودة لقتاله، وأسرع إليه بعض الأعراب فصاح به: « أيّها الرجل، أنت مخدوع.. هذه الخيل قد أقبلت »، فوثب إلى متن فرسه فجال به، وحمل على قائد القوم فضربه ضربة بسيفه على وجهه، فولّى منهزماً وتبعه أصحابه، فجلس معهم ساعة وهو لا يبالي ما يكون([191]). ولمّا تكاثرت عليه الجموع وقتل بعد ذلك، اتّهم الناس صاحبه الهيضم العجلي أنّه كان مدسوساً عليه، وأنّه غرّر به لينكص عنه عند احتدام القتال. فأقسم الرجل بالطلاق أنّه لم يكن له في الهزيمة صنع مدبّر.. قال: « وإنّما كان يحيى يحمل وحده ويرجع، فنهيته عن ذلك، فلم يقبل.. وحمل مرّة كما كان يفعل، فبصرت عيني به وقد صرع في وسط عسكرهم، فلمّا رأيته قتل انصرفت بأصحابي »([192]). ويحيى الشهيد هذا هو الذي قال ابن الرومي([193]) جيميّته المشهورة في