سنة وأربع مائة سنة، ثمّ يبرز لك رجل من رجالها، فيخيّل إليك أنّ هذا الزمن الطويل لم يبعد قط بين الفرع وأصله في الخصال والعادات، كأنّما هو بعد أيام معدودات لابعد المئات وراء المئات من السنين، ولا تلبث أن تهتف عجباً: إنّ هذه لصفات علوية لا شكّ فيها ; لأنّك تسمع الرجل منهم يتكلّم ويجيب من يكلّمه، وتراه يعمل ويجزي من عمل له، فلا تخطئ في كلامه ولا في عمله تلك الشجاعة والصراحة، ولا ذلك الذكاء والبلاغ المسكت، ولا تلك اللوازم التي اشتهر بها علي وآله، وتجمعها في كلمتين اثنتين تدلاّن عليها أوفى دلالة، وهما: « الفروسيّة والرياضة ». طبع صريح، ولسان فصيح، ومتانة في الأسر يستوي فيها الخَلق والخُلق، ونخوة لا تبالي ما يفوتها من النفع إذا هي استقامت على سنّة المروءة والإباء. فمن يحيى بن عمر إلى علي بن أبي طالب خمسة أو ستّة أجيال، ولكن يحيى بن عمر يوصف لك، فإذا هو صورة مصغّرة من صور علي بن أبي طالب على نحو من الأنحاء. فمن أوصافه التي وصفه بها الكاتب الأُموي أبو الفرج الأصبهاني: أنّه كان « رجلاً فارساً شجاعاً شديد البدن مجتمع القلب بعيداً عن رهق الشباب وما يعاب به مثله »([188]). وممّا روى عنه: « أنّه كان مقيماً ببغداد، وكان له عمود حديد ثقيل