ودعا بأُولئك النفر، فقال لهم: « قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم. يزيد أخوكم وابن عمّكم، وأردت أن تقدّموا يزيد باسم الخلافة، وتكونوا أنتم تعزلون وتؤمِّرون وتجبون المال وتقسّمونه ». فأجاب عبد الله بن الزبير، وخيّره بين أن يصنع كما صنع رسول الله إذ لم يستخلف أحداً، أو كما صنع أبو بكر إذ عهد إلى رجل ليس من بني أبيه، أو كما صنع عمر إذ جعل الأمر شورى في ستّة نفر ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه. فقال معاوية مغضباً: « هل عندك غير هذا ؟ ». قال: « لا ». والتفت إلى الآخرين يسألهم قائلاً: « فأنتم ؟ »، فوافقوا ابن الزبير. فقال متوعّداً: « أعذر من أنذر !.. إنّي كنت أخطب فيكم، فيقوم إليّ القائم منكم فيكذّبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح، وإنّي قائم بمقالة.. فأُقسم بالله لئن ردّ عليّ أحدكم كلمة في مقامي هذا، لا ترجع إليه كلمة غيرها حتّى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يبقينّ رجل إلاّ على نفسه ! ». ثمّ أمر صاحب حرسه أن يقيم على رأس كلّ منهم رجلين مع كلّ واحد منهما سيف، وقال له: « إن ذهب رجل منهم يردّ على كلمة بتصديق أو تكذيب، فليضرباه بسيفيهما ». ثمّ خرج بهم إلى المسجد ورقى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: « هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبرم أمر دونهم ولا يقضى إلاّ على مشورتهم، وإنّهم قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوه على اسم الله »،