أنّه كان يتردّد ويتكتم ولا يفضي بنيّته إلى أقرب المقرّبين إليه، ثمّ كبرت سنّه وخاف أن يعجل عن قصده، فمهّد لبيعة ابنه يزيد بعض التمهيد، وتوصّل إلى ذلك بما طاب له من وسيلة. فلبّاه أهل الشام وكتب بيعته إلى الآفاق، ثمّ همّه أمر الحجاز، فكتب إلى مروان بن الحكم عامله أن يجمع من قبله لأخذ البيعة منهم ليزيد، فأبى مروان وأغرى رؤوس قريش بالإباء ; لأنّه كان يتطلّع إلى الخلافة بعد معاوية ويحسبه أقدر عليها من يزيد ; لما اشتهر به من نقص وعبث، فعزله معاوية وولّى سعيد بن العاص([141]) مكانه، فلم يجبه أحد إلى ما أراد. فكتب معاوية إلى عبد الله بن عبّاس([142])، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله ابن جعفر([143])، والحسين بن علي، وأمر عامله سعيداً أن يوصل كتبه إليهم ويبعث إليه بجواباتها، وقال لسعيد: « فهمت ما ذكرت من إبطاء الناس، وقد كتبت إلى رؤسائهم كتباً فسلّمها إليهم، ولتشدّ عزيمتك وتحسن نيّتك، وعليك بالرفق. وانظر حسيناً خاصّة فلا يناله منك مكروه، فإنّ له قرابة وحقّاً عظيماً لا ينكره مسلم ولا مسلمة، وهو ليث عرين، ولست آمنك إن ساورته ألاّ تقوى عليه ». فأعيت سعيد بن العاص كلّ حيلة في إقناع وجهاء الناس وعامّتهم بهذه البيعة البغيضة، وخفّ معاوية إلى مكّة ومعه الجند وحقائب الأموال،