في كونه من أسرار. .. بيد أن الخلاف في الرأي لن يكون حميداً إلا إذا كان كل من أصحاب الرأي يتوخى الوصول إلى الحق مجرداً عن الغرض والهوى، وقاصداً به الوصول إلى الحق ابتغاء وجه الله وحده دون تعصب مقيت أو غرور يمنعه عن احترام آراء الآخرين، ولم يكن ذلك المقصد السامي متوافراً في جميع مراحل الفكر الإسلامي، مما جعل الخلاف في الرأي يتحول من أداة علم وبناء إلى وسيلة اختلاف وعداء، وأصبح الخلاف في الرأي مدخلاً للخصام والنأي، ودبّ الفساد في أوصال الأمة حتى أورثها الضعف، وأنهك قواها، وجعل أقل الأمم لا تأبه لوجودها. ولم يكن الخلاف بين السنة والشيعة في الآراء التي وقع الخلاف بشأنها بينهم ببعيد عن تلك المظاهر الضارة، بل ساعد على تشويه الصورة الإسلامية أمام العالم بما يزيدها صدعاً وفرقة، وربما وصل الأسى مداه حين بدأ العداء ينتقل من الصورة إلى المضمون، وكاد الكره أن يسيطر على قلوب أصحاب الاتجاهين حتى جاوز ما يلقاه أصحاب الملل الأخرى والمذاهب الملحدة، والنحل الضالة وأصبحت الصورة قاتمة، حتى بدأت فكرة التقريب تظهر، وقيض الله لها رجالاً آمنوا بالوحدة الإسلامية كمدخل أساسي للتقدم وتحقيق مقاصد الإسلام، ووسيلة لإصلاح ما ران على قلوب المسلمين من مظاهر العداء ورأب ما فرق حياتهم من أسباب الفرقة والشتات. وكان من أوائل هؤلاء الرجال العالم الجليل والإمام العظيم صاحب الفضيلة العالم العلامة شيخ الأزهر الأسبق الأستاذ الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ، فقد آمن بفكرة التقريب ورعاها بفكره وعلمه، وكان صاحب سبق وريادة في مجالها، فعبّد طريقها، ورعى أساسها. ووضع الأسس التي تكفل نجاحها وتؤدي إلى تحقيق مقاصدها، ولأنه كان مع من شاركوه هذا العمل الإسلامي الجليل من فقهاء الشيعة ورجالها، مخلصاً في قصده، ومتجرداً لوجه الله في عمله فقد كلل الله عمله بالنجاح، ونمت فكرة التقريب حتى علت وأثمرت وأصبحت واقعاً لا يمكن إنكاره، وشجرة مورقة مثمرة لا يسهل تجاهلها. وقد أثبتت الأيام أن هؤلاء العلماء الأماجد كانوا أصحاب نظر ثاقب ورؤية إسلامية عميقة وبعيدة، فلم يكد يمر على فكرة التقريب هذه زمن يسير لم يتجاوز أربعة عقود من