مذاهب الفقهاء متى يجد الرأي الصحيح الذي يميل إليه – ولا مانع لديه أيضاً أن يقف مرة مع المعتزلة ومرة مع الأشاعرة، ومرة مع الشيعة ومرة مع أهل السنة. أما من يتوهم أن السلفية جمود وتحجر، وتعبد مذهب بعينه فإن السلفية تضيق منه واسعاً ولا تجعل منه صاحب رسالة في التجديد والتحديث. يقول الشيخ رجب البيومي([24]) وكان من أثر منهجه الواسع ورؤيته الفقهية المتحررة من أعقال التقليد أنه لم يغفل قضية فقهية من قضايا عهده دون أن يصدر رأيه فيها، فكان مصدر الفتوى في كثير من شؤون الفقه ومسائله يزاحم أساتذته الكبار مزاحمة ناهضة مشرئبة إلى الاجتهاد حتى زاملهم مزاملة الكفء للكفء وصار ينظر رأيه الفقهي فيما يختلف فيه المتجادلون فإذا تصدر للحكم فالرأي المؤيد بالدليل والإفتاء المستند إلى الترجيح والتصحيح. من هنا كانت السلفية – كما أرادها الشيخ محمد عبده في مقابل مصطلح الاستغراب – هي النظر العقلي في إطار القرآن الكريم والسنة الصحيحة ونهج السلف من الأئمة الذين أقاموا قواعد الاجتهاد للربط بين العقل والنقل متزودين بالكتاب والسنة والتراث الإنساني وإقرار حق الخطأ في الاجتهاد وهذا ما أكد عليه الشيخ شلتوت حين ميّز بين الرأي الاجتهادي الذي هو عمل بشرى قابل للرد وبين النص الإلهي وذلك عندما عالج موضوع الفهم الإنساني للدين. الفهم الإنساني في الإسلام ليس دينا يلتزم يقول الشيخ شلتوت وقد اتصلت بالقرآن – بعد أن التحق محمد بربّه – أوهام العلماء والأئمة فيما لم يكن من آياته نص في معنى واحد([25]); ومن هذا الجانب اتسع ميدان الفكر الإنساني، وكثرت الآراء والمذاهب في النظريات والعمليات، لا على أنها دين يلتزم، وإنّما هي آراء وأفهام فيما هو من القرآن محتمل للآراء والأفهام، يرد فيها كل ذي رأى منها رأيه إلى الدلالة التي فهمها هو من النص القرآن، بمعونة ما صح عنده من أقوال الرسول أو أفعاله، أو