ولكن ولادته كانت في النهروان قرب بغداد، فهو من أبناء المدرسة البغدادية، حيث أن هذه المنطقة كانت تخرج أعداد المعلمين والكتاب والمحدثين، كما يذكر ذلك بعض المؤرخين([17]). وإذا أخذنا بنظر الاعتبار انّ ولادته ونشأته العلمية الأولى كانت في عصر الغيبة الصغرى وفي زمن نيابة النائب الثالث الحسين بن روح النوبختي، وقد كان مقره في بغداد، فانّ ابن الجنيد يكون بطبيعة الحال قريباً من المنبع الرئيسي الذي يرجع إليه أتباع أهل البيت عليهم السلام في قضاياهم الدينية. وقد عاش ابن الجنيد في سن الرشد العلمي والفقهي ظروفاً سياسية جديدة شهدتها بغداد عند دخول آًل بويه إليها واستلامهم للسلطة فيها وسياسة الحرية المذهبية والعلمية والسياسية التي اتبعوها في البلاد، وسياسة الموازنة في الانتماء المذهبي بالرغم من تشيّعهم لأئمة أهل البيت عليهم السلام. وقد أدّت هذه الحرية السياسية والمذهبية من ناحية وسياسة الموازنة من ناحية أخرى إلى حدوث صراعات وفتن في الشارع الشعبي بين المتعصبين من أبناء المذاهب الذين كانوا يحاولون أن يعبّروا عن آرائهم وشعائرهم ومراسيمهم المذهبية، بحيث أدى إلى وقوع صدامات مادية تتـّسم بالقسوة والوحشية أحياناً. ومع قطع النظر عن التحليل السياسي لخلفية قرار آل بويه بإتباع هذه السياسة وعدم انتهاجهم السياسة المتبعة في ذلك الوقت من فرض الرأي والموقف بقوة السلاح بعد أن كانوا هم المنتصرين، وكانت الأوضاع السياسية في إيران ومصر وسوريا أوضاعاً تلتزم بهذا المنهج السياسي، حيث كانت دولة الفاطميين في مصر والحمدانيين في سوريا وآل بويه في إيران ومنها امتدوا إلى مراكز الخلافة الإسلامية، وهل أن ذلك يعبّر عن الخلفية الفكرية لمذهب أهل البيت عليهم السلام انعكست على آل بويه، أو انّ ذلك بسبب الإحساس بالضعف والخوف من وجود حركة شعبية مضادة تطيح بنفوذهم الجديد، فحاولوا أن يجمعوا بين المصالح السياسية