من خلال هذه الموازنة، أو غير ذلك من الأسباب، ولكن هذه السياسة كان لها آثارها العميقة على الأوضاع الفكرية والمذهبية في الوسط البغدادي الذي كان يعيش عصره الذهبي الثقافي والفكري في ذلك الوقت. ونلاحظ هنا أن ابن الجنيد قد حظي وحصل على شهادات قيّمة في حقه من كبار علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية، سواء في الوثاقة أو المستوى العلمي والاجتماعي، وذلك من أمثال الشيخ النجاشي الرجالي المعروف والعالم الكبير العلامة الحلي أو الألمعي المتميز السيد بحر العلوم وغيرهم من كبار علماء الرجال والتراجم أو الفقهاء المتبحرين أمثال المحقق الحلي والسيد صفي الدين محمد بن سعد أو الشهيد الأول والثاني، بل نجد أوصاف مثل (فقيه الرافضة ومتكلمهم) يطلقها عليه بعض علماء العامة كما يقول عنه ابن النديم وإسماعيل باشا البغدادي بأنه كان من (أكابر الإمامية). كما أن مؤلفاته العديدة التي يسردها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي تدل بصورة واضحة على غزارة علمه وسعة اطلاعه وتنوع العلوم التي خاض البحث فيها والعلاقات الواسعة التي كانت لديه بالأوساط الشعبية والرسمية. ولكن مع ذلك كله نواجه في شخصيته قضيتين ومهمتين تثير الجدل والغموض والنقاش حوله، وتؤدي إلى اتخاذ بعض المواقف السلبية الحادة تجاهه في عصره وبعده: القضية الأولى: هو ما ينسب إليه من اعتماده على القياس كدليل من أدلة استنباط الأحكام الشرعية، وهو مما لم تقل به الإمامية الاثنا عشرية. القضية الثانية: نسبة القول باعتماد الرأي والظن في استنباط الحكم الشرعي، بل نسبة اعتقاده بأنّ بعض ما صدر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام إنّما هو من باب الرأي والاجتهاد. وبالرغم من كل ذلك لا نجد إلا القليل جداً ممن ينتقص من شخصيته بسبب ذلك، وإنّما يحاول بعض العلماء أن يشكك في هذه النسبة أو يجد التفسير لها أو التبرير. ومع قطع النظر عن هذه الأبعاد من البحث التي لا نرى لها مجالاً للحديث هنا، يمكن أن نلاحظ في شخصيته الملاحظات التالية: