وهو في شخصيته وعمله وتاريخه يمثل نموذجاً واضحاً لبداية مراحل المرجعية الدينية لدى الشيعة الاثني عشرية من ناحية، كما هو وارث مدرسة الحديث القمية من ناحية أخرى، وهو أمر يمتاز به على معاصره الآخر الذي سوف نشير إليه في المثال الثاني. كما انه يمثل الرمز في سعة الاطلاع والحركة والعلاقات بما بتناسب مع ذلك العصر، وكان ولا يزال يحظى باحترام وقدسية خاصة لدى جميع أجيال شيعة أهل البيت عليهم السلام وعلمائهم، ومن ذلك اعتبار كتابه (من لا يحضره الفقيه) أحد الكتب الأربعة المتميزة. وقد كانت وفاته سنة 381 هجرية في مدينة الري، حيث كان ولازال قبره مزاراً عاماً للمؤمنين، وقد ظهرت له كرامات عديدة. الشيخ الصدوق والتقريب وإذا أردنا أن ننظر إلى الشيخ الصدوق من زاوية التقريب والتعايش بين المذاهب الإسلامية، يمكن أن نلاحظ - باختصار – هذه الأبعاد التي يمكن أن تكون منهجاً وقدوة في مجال التقريب الفكري والفقهي والنظري. الأول: العلاقات الواسعة مع مختلف الأوساط العلمية والاجتماعية في العالم الإسلامي، وهو أمر يؤكده جميع مترجميه وتؤكده كثرة أسفاره وطول المكوث فيها، بحيث انه أقام في بلاد ما وراء النهرين لمدة أربعة سنوات ألف فيها كتابه القيّم الفريد (من لا يحضره الفقيه)، وعرف عنه انه قد قضى أكثر حياته في التنقل والسفر، وقد يكون في ذلك شيء من المبالغة، ولكنها تعبّر عن حقيقة هذه العلاقات الواسعة في ذلك الوقت الذي كان السفر فيه صعوبات كبيرة ولاسيما للعلماء. ولم يكن يفرّق في أسفاره هذه وعلاقاته بين المذاهب الإسلامية إلا بقدر ما تفرضه طبيعة التربية العلمية والاستفادة منه والعلاقة به من امتيازات. الثاني: الأخذ والعطاء، حيث أخذ وسمع الشيخ الصدوق من شيوخ كثيرين ومن مختلف الأقطار والمذاهب الإسلامية عدّ منهم بعض المترجمين له مائة وثمان وتسعين، كما أخذ منه