2ـ الشيخ شلتوت وفكرة التقريب لا تعدو الحقيقة إذا قلنا إن الشيخ شلتوت قطع بفكرة التقريب أشواطاً لم يقطعها غيره، وحقق انجازات لم يقم بها احد سواه، ليس فقط في مجال الكتابة في الفقه المقارن، بل وهذا هو الأهم في مجال التنظير الاعتقادي، والتنظيم المؤسسي، حتى صدر كتاب يهاجمه في ذلك تحت عنوان (تنبيه العوام لانحراف الشيخ شلتوت عن الإسلام) ولم يكن الشيخ ممن يعبأ بالهجوم، ولا يعنى نفسه بالرد، وإنّما يسير في طريقه. ويمكننا تلخيص انجازات الشيخ محمود شلتوت في مجال التقريب بين المذاهب فيما يلي: أ ـ اهتمامه ـ كما قلنا منذ عام 1936 بالمقارنة بين المذاهب، واتسعت المقارنة عنده لتشمل مذاهب الشيعة، والفقه المقارن كما يقول الشيخ محمد محمد المدني ـ أحد فرسان التقريب والساعد الأيمن للشيخ شلتوت ـ هو الفقه على الحقيقة، وهو صناعة الفقيه على الحقيقة، أما الحافظ للفروع الذي لا يعرف إلا سرد الأحكام فما هذا بفقيه، ومن لم توجد عنده ملكة العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية لا يعد فقيهاً ولو حفظ أحكام الفروع، ومن وجدت عنده الملكة ولو في بعض المسائل فهو الفقيه، وقد سئل الإمام مالك عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع منها، وقال في ست وثلاثين: لا أدري! ولم يمنعه ذلك من أن يكون فقيهاً لأن ملكة الفقه وجدت عنده. ثم إن هذه الدراسة على هذا النهج قائمة على أيدي العلماء في كل عصر، وكتب المذاهب عامرة بها، وكتب الحديث والتفسير والأُصول والأمهات، لا تكاد تخلو منها صفحة من صفحاتها، وكم رجح المالكي قولاً للشافعي، ورجح الحنفي قولاً لغير أبي حنيفة، وأصحاب أبي حنيفة وتلاميذه ومن ينتسبون إليه كثيراً ما يقررون غير ما قرره الإمام، لضعف مأخذه عندهم، أو لانكشاف دليل لهم لم ينكشف له، وكذلك أصحاب الأئمة وأتباع المذاهب. ولاشك أن هذا منهج مستقيم من الناحية العلمية الفقهية، ومن الناحية الإسلامية. فأما استقامته من الناحية الفقهية فلأن الفقيه المنصف الذي لا هدف له إلا البحث عن الحق، لا يسعه أن يغض الطرف عن قول قاله مجتهد في المسألة التي يبحثها، ما دام لا يصادم