وعلمائهم بزيارات متبادلة بين علماء العراق ومصر، شملت حتى غير أهل الفقه مثل أحمد أمين، وزكي مبارك، وفي اعتقادي أن لعلماء مدرسة القضاء الشرعي الدور المجهول في هذا التقريب، وليس غريباً ـ وفق الحقائق التي تنطق بها الوثائق المتاحة لدي ـ أن يكون أول من كتب في الفقه الإسلامي مقارناً بين المذاهب الإسلامية شيعية وسنية في مصر هو العلامة الشيخ احمد إبراهيم ليحقق حلم الشيخ الإمام، ويشد من أزر زميله العلامة مصطفى المراغي، وفتح الباب بذلك أمام تلميذه النجيب العلامة الشيخ محمد أبي زهرة ليكتب بهذه السعة التي انفرد بها أبي زهرة منذ عام 1930 عندما عين مساعداً لمدرس بدار العلم بعد تخرجه من مدرسة القضاء الشرعي وظهر ذلك في أول كتاب له عن أدب اللغة العربية أصدره عام 1930 وأشار فيه بإنصاف إلى المذهب الشيعي، ثم عاد عام 1935 وهو يكتب دراسته في الوقف، بعد ان عين في كلية الحقوق، ليجعل المذهب الشيعي الإمامي واحداً من المذاهب التي يعتمد عليها في الدراسة الفقهية المقارنة. لقد كان الشيخ احمد إبراهيم هو الذي أنصف مذهب الشيعة في التأليف المعاصر في مصر في كتبه الأصولية والفقهية، وفيما كتبه من مقالات وأبحاث خاصة في الميراث، وفي مذكرته الصغيرة عن تاريخ التشريع، وحقق الانفتاح منذ بداية العشرينات على المذاهب غير السنية، إعلاماً ومؤلفات، وتم تصحيح موقعها في دراسات تاريخ التشريع، وسار على نفس الدرب تلاميذه من بعده وفي مقدمتهم محمد أبي زهرة الذي حمل على عاتقه دراسة المذهب الإمامي أصولاً وفروعاً في كتابه عن الإمام جعفر الصادق وكتابيه في الميراث وأصول الفقه عند الشيعة الجعفرية، وهي كتابات تناولها أخواننا الشيعة بالثناء والنقد والمراجعة، وهكذا نشأت فكرة التقريب بين المذاهب في مصر باعتبارها الأرض الفكرية الأكبر استعداداً لنشأة هذا الاتجاه. لقد اتسعت مدارس الفقه فيها لاستقبال التيار الجديد ورعايته، وأتيح للشيخ شلتوت في هذا المجال ما لم يتح لزملائه، فقد كان محل ثقة الشيخ المراغي واعتمد عليه في تأسيس مادة مقارنة المذاهب.