وقد وجه هذا الأستاذ المقارب للفقه الإسلامي من خلال جمعية الطلبة الشرقيين، الذي جعل منزله في ليون مقراً لها، وجه طلابه إلى الدراسات المقارنة بين المذاهب فرجعوا إلى بلادهم والدراسة المقارنة منهج أصيل في تكوينهم الحقوقي، وليس معنى هذا أنني اغمط حق الدروس المقارنة في الحوزات العلمية وخاصة في النجف الأشرف، بل أردت أن أضع فكرة التقريب في إطارها العقلي والزمني حتى لا تذوب في دوائر التفسيرات البعيدة والتأويل المستكره. الرابع: أما السبب الرابع والأخير فكان مذهبياً حيث استقبل الأزهر ودار العلوم طلاب علم من أهل العراق والشام، وكان الأزهر يتسع لهؤلاء على تباعد في المكان والأفكار، فقد روى بيرم الثاني ـ في رسالته التي وضعها عن الأزهر وقدمها إلى مؤتمر المستشرقين في هامبورغ في أوائل سنة 1902 ـ إلى ان الجراية كانت تعطى للجميع حتى الذين من مذاهب الشيعة، وتفسير ذلك قد يرجع إلى تقليد قديم، أو إلى شروط الواقفين، أو إلى الأزهر ذاته باعتباره جامعة العلوم الإسلامية، المهم أن هؤلاء الطلاب القادمين من مذاهب غير سنية وجدوا مكاناً وعلماً، وقد أرسلت الحكومة العراقية عدداً من أبنائها إلى دار العلوم العليا ورأوا من أساتذتهم ثناء على علماء النجف وإعجاباً باجتهاداتهم، ولم يأخذوا عليهم إلا انتمائهم الشيعي، وكان ذلك دافعاً للشيخ كاشف الغطاء أن يكتب محاولته التقريبية الأولى في كتابه التصحيحي (أصل الشيعة وأصولها) ليرد ما صدر شفهة وكتابة من شبهات حول الفقه الشيعي، والكتاب لقي من الأصداء ما يستحقه، وعلق على طبعته الأولى شيخ العروبة أحمد زكي، فحيا المؤلف، وطلب منه أن يتفضل في الطبعة الثانية بتجريده مما لا يتفق مع الخطة التي انتهجها المؤلف لزيادة التقريب والتوفيق بين الجماعات الإسلامية، مشيراً في ذلك إلى ص1، 24، 25، ولعله من أوائل من استخدموا مصطلح التقريب بالمعنى الذي أرادته جماعة التقريب فيما بعد، وقد راجعت أدبيات هذه الفترة، ورأيت أن المؤلفين في تاريخ التشريع وأدب اللغة العربية، يظلمون المذهب الشيعي بل والمذاهب غير السنية جميعها، وأضرب مثالاً لذلك ما جاء في الطبعة الأولى لكتاب (آداب اللغة العربية) الذي كان يدرس في دار العلوم سنة 1916، لمؤلفه الشيخ احمد السكندري، ولكن الصورة سرعان ما تغيرت بعد مزيد اتصال بفقه الشيعة