المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذاً عن البيئة) وعلى هذا المنهج سار فيما يتعلق بفتاويه في كثير من المسائل ومنها الموسيقى والغناء حيث أفتى بأن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات الجميلة لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة، أو صوت إنسان، وإنّما يحرم إذا استعين به على محرم، أو اتخذ وسيلة إلى محرم، أو ألهى عن واجب. إن منهج الشيخ شلتوت في الاجتهاد يقوم على أسس ثلاثة: الأول: الاعتماد على الدليل دون انتماء إلى مذهب فقهي لا يتعداه ومن هنا أفتى في كثير من المسائل على غير مذهبه، بل على غير المذاهب الأربعة كفتواه بحرمة زواج الكتابية ترجيحاً لرأي الشيعة الإمامية. الثاني: الاستناد إلى مبادئ الشريعة الكلية في الوصول إلى الأحكام، مثل مبدأ لا ضرر ولا ضرار، وكان هذا المبدأ مستنده الأساسي في فتواه بجواز تنظيم النسل. الثالث: الفتوى بالأيسر طالما لا تخالف نصاً، لأنه يرى ذلك في مصلحة المسلمين، حيث يصبح التشدد موجباً للقطيعة بين المجتمع وأحكام شريعته في عصر القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، ولكنه لا يمد ذلك إلى الواجبات العليا، سئل عن رأيه في قضية اللاجئين الفلسطينيين فأجاب في وضوح وحسم (لا حل لهذه المشكلة إلا بأن يعود اللاجئون إلى أوطانهم التي منها أخرجوا بغياً وعدواناً، وأن يتخلى الاستعمار عن دسائسه فهو الذي أوجد المشكلة وأثار هذا الخلاف). وهكذا انطلق هذا العقل الحر المحلق في سماء الاجتهاد الأصولي ليجعل من الشيخ محمود شلتوت من أبرز دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية في العصر الحديث. ثالثا: في التقريب بين المذاهب التقريب بين المذاهب لا يكون حقيقة عقلية وواقعية، إلا عندما يتسع صدر الأمة لرأي المخالف، ويرحب عقل الفقيه فيستجيب لقوة الدليل، فلا يتعبد بمجرد الإسناد لرجل أو الانتماء إلى مذهب، وقد اتسعت الحياة في الأزهر المعمور بعد عصر الفاطميين ليصبح جامعة للعلم الشرعي على المذاهب الأربعة، واتسع فقه الأمة ليستوعب كل تراثنا الشرعي في