أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة) وهو رأي ثبت عليه الإمام محمود شلتوت فقد قال في حديث له نشر بمجلة الأزهر وهو شيخ له وقد كان للاجتهاد في الأحكام مجال واسع تفرقت به المذاهب وتعددت، وعلى رغم تعددها واختلافها في كثير من الأحكام، وتعدد الآراء في المسألة الواحدة، فقد كان الجميع يلتفون حول أصل واحد وكلمة سواء، هي الإيمان بالمصادر الأولى وتقديس كتاب الله وسنة رسوله، وقد صح عن جميع الأئمة (إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط). من هنا تعاون الشافعي، والحنفي، والمالكي والحنبلي، والسني والشيعي، ولم يبذر الخلاف بين أرباب المذاهب الإسلامية إلا حينما نظروا إلى طرق الاجتهاد الخاصة، وتأثروا بالرغبات، وخضعوا للإيحاءات الوافدة، فوجدت ثقوب نفذ منها العدو المستعمر، وأخذ يعمل على توسيع تلك الثقوب، حتى استطاع أن يلج منها إلى وحدة المسلمين، يمزق ويفرق شملها، ويبعث البغضاء والعداوة إلى أهلها، وبذلك دبت فيهم عقارب العصبية المذهبية، وكان من آثارها السيئة ما كان يحفظه التاريخ من تنابز أهل المذاهب بعضهم مع بعض، وتحين الفرص لإيقاع بعضهم لبعض، والدين من ورائهم يدعوهم هلموا إلى كلمة الله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين). إن هذه الآفاق الواسعة التي حلق فيها الشيخ محمود شلتوت هي التي جعلته العالم المجتهد، وكان يرى أن الفقه الإسلامي حتى يأخذ مكانه يحتاج إلى أمرين لابد منهما. الأول: أن نعيد تنظيم الفقه الإسلامي، وأن نوضح مقاصده، وأن ننظم وسائله، وعندنا كنوز مطمورة أوضائعه في غمرة نظام التأليف القديم، فالفقه الإسلامي ثروة من ثرواتنا الغالية، ولكن محاسنه غير واضحة المعالم في الكتب الموجودة الآن، ولابد من تنظيم هذا الفقه تنظيماً ييسر الانتفاع به لكل من يريد الانتفاع. ويسوق لنا الشيخ الجليل مثالاً لأهمية تقديم تراثنا المذخور فيقول (إني في مؤتمر لاهاي الذي عقد سنة 1937 للقانون المقارن، قدمت بحثاً عن المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية، وقدمت لهم نوعاً من المسؤوليات لا تعرفه القوانين، موجود عندنا في الفقه المقارن، وهو المسؤولية السلبية ـ أي المسؤولية بطريق الترك ـ وهي تقصير الإنسان في عمل توجبه