ومنهم مجتهدون، وفيهم من يرجح قولاً على قول). ثانياً: الشيخ محمود شلتوت المجتهد في ظلال هذه البيئة المفعمة باتجاه التغيير تنظيراً وتطبيقاً، وفي رحاب مدرسة الشيخ المراغي التي تمد بجذورها إلى جهود الأستاذ الإمام محمد عبده نشأ وتشكل فكر الإمام محمود شلتوت، الإمام المجتهد، ورائد التقريب العملي بين المذاهب، فقد ولد أواخر القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة 1893 في منية بني منصور مركز ايتاي البارود، وتلقى تعليمه الديني في معهد الإسكندرية وكان أول فرقته في جميع سنوات الدراسة، حيث نال درجة العالمية سنة 1919 ليبدأ في هذا العام الثوري حياة المعلم في ذات المعهد الذي تفوق في معهد الإسكندرية الديني، ومنذ المقالة الأولى لفت إليه الأنظار بثقافته الواسعة وإلمامه بالفقه رواية ودراية، ونزوله إلى الحياة الواقعية مشاركاً في جوانبها السياسية والاجتماعية والعلمية، متأثراً بعلمين كبيرين ظلاّ يعملان في عقله إلى آخر العمر وهما الشيخ محمد مصطفى المراغي، والعلامة عبد المجيد سليم، وعندما نادى الإمام المراغي بإصلاح الأزهر في مذكرة شهيرة، كان أول صوت أزهري ارتفع لتأييده هو الشيخ محمود شلتوت، دافع عنه أمام زملائه، وبشر بدعوته بين الجماهير في مقالات نشرت في حينه بمجلة السياسة اليومية، ولم يعبأ بما أصابه، فقد ظل على موقعه سواء في داخل الأزهر أو حين أخرج منه، لأنه في الواقع كان يدافع عن فكره هو، وعن حياة عقلية جسدها كاتباً، وعبر عنها أستاذاً قدر له أن يكون في طليعة أساتذة الفقه المقارن في مصر عندما أدخل مقرراً في كلية الشريعة بعد عام 1930، كان عليه أن يضع المنهج، وأن يحدد مفرداته، وأن يقوم بتدريسه، وأن يكتب فيه، فجاء كتابه في مقارنة المذاهب سنة 1936 دراسة في المنهج وحصيلة معاناة في ارتياد مجال غاب كثيراً عن قاعات الدرس، وبرامج الإعداد، وقد أعانه على ذلك ذكاء حاد، وألمعية متفردة، وإلمام عميق بمذاهب أهل السنة ما بقى وما درس، ومذاهب الشيعة زيدية وإمامية، ومذهب الإباضيه، وأعلن في وضوح من خلال كتابه (مقارنة المذاهب). (إن على المسلم إذا تعذر عليه أن ينال الأحكام من أدلتها أن يسأل أهل الذكر، وليس عليه أن يلتزم مذهباً معيناً، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ورسوله على