قال الشيخ ([83]): «صدق كثير من الناس ما شاع من ذلك من الجن (يقصد الزواج بالجن ودخولهم في جسم الإنسان ونحو ذلك) وتناقلوا فيه الحكايات التي ربما رفعوها إلى السلف الصالح، واستمروا على ذلك، حتى جاراهم الفقهاء، وفرضوا صحته، واتخذوا من هذا الفرض مادة جعلوا منها حقلا للتدريب على تطبيق كثير من الأحكام الشرعية عليهم، وكان منهم من تحدثوا عن صحة التزاوج بهم، وعن وجوب الغسل على الإنسية إذا خالطها جنى، وعن انعقاد الجماعة بهم في الصلاة، وعن مرورهم بين يدي المصلى، وعن روايتهم عن الإنسي، ورواية الإنس عنهم، وعن حكم استنجاء الإنس بزادهم وهو «العظم» وعن حكم الأكل من ذبائحهم، إلى غير ذلك مما نراه منشورا في كتب الفقه، أو نجده في كتب خاصة ذات عناوين خاصة بالجن». ثم قال الشيخ: «وإني أعتقد أن ذلك من فقهائنا لم يكن إلا مجرد تمرين فقهي، جرياً على سنتهم في افتراض الحالات والوقائع التي لا يرتقب وقوعها أو التي لا يمكن أن تقع، وإذن ففروض الفقهاء التي لم يقصدوا بها إلا مجرد التدريب الفقهي، لا تصلح أن تكون دليلا أو شبه دليل على الوقوع والتحقق، فلنتركم على سنتهم يفترضون ومردنا في ذلك إلى القرآن الكريم». وبين الشيخ أن القرآن الكريم ينفى هذا واشتهد بالآية الكريمة التي تبين امتنان الله تعالى علينا بأن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) ووضح أن الجن لا يعلمون الغيب ولا يقدرون على الإيذاء الاتصالي بالإنس أو التلبس، ثم قال: «ومع هذا كله قد تغلب الوهم على الناس، ودرج المشعوذون في كل العصور على التلبيس، وعلى غرس هذه الأوهام في نفوس الناس، استغلوا بها ضعاف العقول والإيمان، ووضعوا في نفوسهم أن الجن يلبس جسم الإنسان، وأن لهم قدرة على استخراجه، ومن ذلك كانت بدعة الزار، وكانت حفلاته الساخرة المزرية، ووضعوا في نفوسهم أن لهم القدرة على استخدام الجن، في الحب والبغض، والزواج والطلاق وجلب الخير ودفع الشر وبذلك كانت «التحويطة والمندل وخاتم سليمان»،