المستنير، ينظر في المسألة ويطلع على آراء الفقهاء فيها، ثم يفتي بالرأي الذي يطمئن إليه، وقد يستعين في ذلك بقواعد وأصول غيره من العلماء أو بتعليلهم لرأيهم، غير متعصب لمذهب معين أو لشخصية عالم بذاته، سواء أكان من أصحاب المذاهب الفقهية المشتهرة ام من غيرهم، وفيما أعلم لم يدع الشيخ محمود شلتوت أنه مجتهد اجتهاداً مطلقاً، ولا أظن أنه وجد في العصر الحديث الذي نعيش فيه، من بلغ هذه المرتبة العلمية العالية، وهي مرتبة الاجتهاد المطلق التي بلغها أئمة المذاهب الفقهية المشتهرون.. وأيضا لم يكن الشيخ مجتهد مذهب لأنه لم يحصر نفسه في بحثه عن الحكم في القضايا التي يتعرض لبيان الحكم الفقهي فيها في اتباع أصول إمام بعينه لا يتعداها عند إبداء الرأي كما هو الشأن في مجتهد المذهب، ولا ألزم نفسه بتخريج القضية الجديدة على قضية قديمة قال فيها إمام من أئمة الفقه يلتزم مذهبه برأي. فالشيخ محمود شلتوت لم يكن – إذن – مجتهدا اجتهادا مطلقا، ولا مجتهدا اجتهاد مذهب، ولكنه وصل بعلمه إلى درجة مجتهد الفتوى. بعض ملامح آرائه في الفقه الإسلامية الشيخ شلتوت بثقافته الواسعة، واشتغاله بدراسة وتدريس الفقه الإسلامي وأصوله، وتوافر الأسس العلمية فيه التي تؤهل الشخص ليقوم بالتعرف على الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة، كل ذلك أهله ليكون صاحب فكر مستقل منطلق من قيد التبعية لمذهب معين ونرى بعضاً من ملامح آرائه في الفقه الإسلامي فيما يلي: أولاً: يحارب الخرافات والأوهام التي شاعت بين الناس، ويبدي رأيه فيها معتمداً على الأدلة الشرعية، حتى لو كان رأيه الذي يبديه مخالفاً لما يقوله الفقهاء القدامي، ولهذا وجدناه ـ مثلاً ـ في مسألة زواج الإنسي بالجنية أو بالعكس، يلتمس العذر لبعض فقهائنا القدامى في تصورهم وقوع مثل هذا بناء على ما شاع بين عوام الناس من حدوث هذا الزواج الغريب، وبين الشيخ أن الزواج بالجان وهم من الأوهام التي استقرت عند كثير من الناس، وأن بعض الفقهاء جاراهم وبينوا حكم ذلك، جرياً على طريقتهم في افتراض الحوادث.