2ـ الموازنة بين الأصولية والتطوير: الأصولية هي الصيغة العامة للاجتهاد، والفقيه المتمرس في الفقه يعطي قيمة كبيرة لكلمات الفقهاء المتقدّمين، وللاجماعات الفقهية التي يركن إليها الفقيه في الاستنباط، وحتى للمرتكزات الفقهية، ولسيرة المتشرعة. ويحافظ الفقيه على المنهج الفقهي المألوف والموروث، ويعتبر هذا النهج أساساً صحيحاً للاستنباط تركن إليه النفس. والى جنب هذه الصيغة الأصولية العريقة في الاستنباط، والتي توليها الحوزات العلمية التابعة لمدرسة أهل البيت (ع) اهتماماً كبيراً … نجد أن هناك سعياً جاداً لتطوير آلية الاستنباط. والذي يتبع التطور العلمي الحاصل في هذه المدرسة؛ يجد أن فقهاء هذه المدرسة اكتشفوا خلال عملهم العلمي آليات جديدة في عملية الاستنباط. وأضرب على ذلك مثلاً ـ تقسيم الفقهاء الأدلة والحجج في أصول الفقه إلى طائفتين: (الأمارات) و(الأصول) ويتم تنظيم العلاقة بينهما من خلال قاعدتي (الحكومة) و(الورود). وإذا عرفنا أن ترتيب الأدلة من المسائل الأساسية التي يواجهها الفقه في عملية الاستنباط، وتحوج الفقيه إلى نظام واحد عام في الفقه؛ لتقديم الأدلة بعضها على بعض، ولا يمكن الاكتفاء بالعلاجات والحلول الموضعية … نعرف قيمة هذا الكشف العلمي الذي توفق له الفقيه الشيخ الأنصاري (رض) لأول مرة في تاريخ الفقه، وتترتب على هذا الكشف آثار كبيرة في تقديم الأدلة بعضها على بعض. إن الاجتهاد عملية صعبة، تتعهد بتطبيق الثابت على المتغير، فإن شريعة الله ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، وظروف الحياة الاجتماعية متغيرة شديدة التغيير، ومهمة الاجتهاد هي تطبيق ثوابت الشريعة على متغيرات الحياة، وهي مهمة شاقة تحتاج إلى جهد متواصل، في تطوير آلية الاجتهاد ليكون قادراً على تحقيق هذه المهمة.