ولا اجتهاد في مقابل النص، وكل اجتهاد أو رأي في مقابل النص فهو باطل البتّة … ولا يلجأ الفقيه إلى الاجتهاد إلا عند فقدان النص أو إجماله أو تعارض النصوص. وعليه فإن النص هو المصدر الأساس للفقيه في فهم الحكم الشرعي … وهذا هو الجانب النقلي من الاجتهاد، وهو البعد الأول والأهم في الاجتهاد والى جانب هذا البعد البُعد العقلي في الاجتهاد. وللعقل ثلاثة أدوار في الاجتهاد: الدور الأول في فهم النص. فقد يحتاج الفقيه في فهم النص واكتشاف آفاقه ومجالات تطبيقه إلى الدقة العقلية، وهذا التدقيق في فهم النص لا ينافي ما ذكرنا آنفاً من منهج (الاستظهار)، وعدم العدول عن صريح الكلام في النصوص وعن ظاهر الكلام في غيرها. والدور الثاني في الأدلة العقلية المستقلة وغير المستقلة، والعقل بمعنى القطع واليقين حجة يحاجج الله تعالى بها عباده، وهذا باب واسع من العلم، لا يسعنا أن نتحدث عنه الآن بأكثر من هذه الإشارة. والدور الثالث للعقل الأصول العقلية التي يلجأ إليها الفقيه عندما لا يجد سبيلاً إلى الدليل الشرعي. وهكذا نجد أن الفقيه يوظّف العقل لخدمة النص وفهم الحكم الشرعي في ثلاثة اتجاهات، في فهم النص وفهم مجالات تطبيقه أولاً، وفي اكتشاف الحكم الشرعي عن طريق العقل بقانون الملازمة، بين الحكم العقلي والشرعي ثانياً. وفي تحديد الوظيفة العقلية عند فقدان الدليل ثالثاً. وهذا الاستخدام الواسع للعقل في عملية الاجتهاد لا يُحجِّم دور الدليل النقلي في عمل الفقيه، إذا عرفنا أن الدليل النقلي الذي تتبعه الفقيه هو الأساس في عملية الاجتهاد وفهم الحكم الشرعي.