لحقوقهم والدفاع عنهم في مقابل الظالمين، بالإضافة إلى ما عرف عنهم تاريخياً من الإعراض عن الدنيا والزهد فيها … من عوامل طاعة الناس لهم وثقتهم بهم ومحبتهم لهم وهذه الحالة لا تزال إلى اليوم باقية، وإن كان يصيبها مدّ وجزر أحياناً. وقد سألني أحد الأخوة عن قصّة الملك ناصر الدين القاجار مع زوجته، حينما طلب منها أن تعدّ له دخان التبغ اليومي الذي اعتاده كل يوم … وكان المرحوم السيد حسن الشيرازي قد حرّم استعمال التبغ على المسلمين بعد أن أعطى الشاه حق احتكار التبغ لشركة انجليزية، تستأثر به في أطماعها الاستثمارية، فامتنع المسلمون في إيران جميعاً عن استعمال التبوغ، استجابة لحكم الفقيه، فلما طلب الشاه من زوجته داخل قصره أن تأتي إليه بما اعتاده من شرب التبغ يومياً امتنعت، فلما زجرها قالت له: الذي أحلّني عليك حرّمها عليَّ. هذه الثقة الغالبة والطاعة النادرة بمثابة عتلة قوية استخدمها الإمام الخميني (رض) في حياتنا المعاصرة، في الإطاحة بالنظام البهلوي الفاسد وإقامة دولة إسلامية محله، ولولا هذه الثقة وهذه الطاعة النادرة لم يكن مثل هذه الثورة العامة بمقدور أحد من الناس. وليس من شك أن هذه عطية إلهية جليلة، حبا الله بها الفقهاء، وعليهم المحافظة عليها، والمحافظة عليها تكون بالمحافظة على مسيرة السلف الصالح من الفقهاء، بالإعراض عن الدنيا والزهد فيها، والاهتمام بهموم الناس، ومعايشة الناس في سرائهم وضرائهم، وعدم حجب الناس عنهم. فإن الجمهور يحمل فطرة سليمة في التقويم والتقدير، فيضع الثقة حيث تجب الثقة، وتحجب الثقة حيث لا يستحق الثقة. فإذا حجب الجمهور ثقته عن شخص فالأحرى به أن يراجع نفسه وعمله قبل أن يتّهم الناس في إقبالهم وإعراضهم، أو يشك في سلامة تقديرهم، فقد دلتنا التجارب الكثيرة إن الله تعالى زود جمهور المؤمنين بحسّ مرهف دقيق في التوثيق والتقييم.