مطاوعة الجمهور وهذه الأطروحة أطروحة جيدة، تمكن المؤسسة الدينية من القيام بمسؤولياتها في إدارة الشؤون الدينية في المجتمع، ولكن النقطة السلبية في هذه الأطروحة أنها تقود المؤسسة الدينية باتجاه تبعية الجمهور. ومطاوعة الرأي العام، وذلك لأن المؤسسة الدينية عندما تحاول أن تحقق لنفسها حالة الاكتفاء الاقتصادي من ناحية الحكومات، فلا محالة تعتمد في تمويل مؤسساتها وأعمالها على إنفاق الناس … والاعتماد على الناس في التمويل من الممكن ان يسلبها استقلالية الرأي، والقرار حتى لو كان هذا الإنفاق ضمن الحقوق الشرعية، وعليه فإن المؤسسة الدينية تحتاج إلى جهد ذاتي كبير لتحفظ نفسها من الانقلاب من حالة التبعية الرسمية إلى حالة مطاوعة الجمهور. ثقة الجمهور وطاعتهم للفقهاء قلما نجد نظيراً لهذه الثقة والطاعة من ناحية الجمهور للفقهاء، ولست أقول لا نجد، وأتباع مدرسة أهل البيت (ع) يُعرفون بهذه الميزة ويشتهرون بها. وسبب ذلك يعود: أولاً إلى تعليمات أهل البيت (ع) لشيعتهم بطاعة الفقهاء والثقة بهم والالتفاف حولهم. وقد تكرّر الأمر والتوصيات بذلك من ناحية أئمة أهل البيت (ع)، وهذه التعليمات أكسبت موقع الفقاهة عند الإمامية قيمة اجتماعية وسياسية كبيرة. والعامل الآخر هو سلوك الفقهاء تاريخياً إلى اليوم، فإن المعروف منهم الأعراض عن الدنيا ومتاعها، والزهد فيها، وعدم الاستغراق في لذاتها وطيباتها، أولاً، والاهتمام بشؤون الناس وهمومهم ومصائبهم ثانياً. يقول أمير المؤمنين (ع) في الخطبة الشقشقية في صفة العلماء: (وما أخذ الله على العلماء ألا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم) أي لا يسكتوا عن تـُخمة ظالم ولاجوعة مظلوم … وهذا الاهتمام بشؤون الناس والمراعاة