الزراعيين والمترجمين وغيرهم، وهو ما لم يكن معروفا حينذاك في إطار الفصل الذي بدأ يشيع بين التعليم الديني والتعليم المدني. وهناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه وهو أن الاهتمام الكبير الذي أولاه الطهطاوي للترجمة يدل على خطوة حضارية متقدمة، فلكي نسد الفجوة بين العالم المتقدم والمتخلف، لابد لنا من الوصول إلى ما وصل إليه من مستويات متقدمة في ميدان العلوم والتقنيات وغير ذلك، وهذا لن يتأتى إلا بترجمة ما لديه من علوم إلى لغتنا لتكون في متناول الدارسين الذين لا يتقن كثير منهم اللغات الأخرى، وهو ما فعله المسلمون قديما حينما ترجموا الكتب العلمية والفلسفية من اليونانية والفارسية والهندية والسريانية، ليتم تجاوزها أو الإضافة إليها فيما بعد. لكن لم يقيض لهذه التجربة المهمة أن تستمر، فما أن بدأ الزحف الاستعماري على بلاد المسلمين حتى بدأت اللغات الأجنبية تحتل مكان الصدارة في التعليم الأساسي والعالي، وتعزز هذا الأمر يوما بعد يوم مع ثورة المعلومات وشبكة الاتصالات العالمية التي تأخذ منها اللغة الإنكليزية حصة الأسد. وهناك شخص آخر ترك بصماته على الحياة الثقافية والتعليمية في مصر وهو علي مبارك باشا (1823 – 1893) الذي درس في فرنسا، وترقى في وظائف الدولة حتى صار ناظرا (وزيراً) للمعارف. لقد خطا هذا الرجل خطوة كبيرة في ميدان التعليم حينما أسس مدرسة أو كلية (دار العلوم) كمؤسسة تعليمية جديدة، »تضم خير ما في الأزهر، بعد تطويره وتحديثه، إلى جانب ما في التعليم المدني العصري من علوم وفنون.. مؤسسة تلغي ازدواجية التعليم، ذات المخاطر على عقل الأُمة وشخصيتها الموحدة«([13]).