وهكذا ضمت تلك المدرسة أو الكلية، كما تنعت اليوم، نخبة من المدرسين الأجانب والمصريين هم من خيرة علماء عصرهم، يدرسون العلوم العصرية كالفلك، وعلم النبات، والطبيعيات ، والتاريخ العام، وفن الآلات، وفن الأبنية، وفن السكك الحديد، وأساتذة مصريون يدرسون العلوم العربية والإسلامية ، وكان من بينهم الشيخ محمد عبده الذي درّس – ولأول مرة – علم الاجتماع أو علم العمران معتمدا على مقدمة ابن خلدون، والشيخ أحمد شرف الدين المرصفي (من شيوخ الأزهر) للتفسير والحديث، والشيخ البحراوي مفتي الحقانية لفقه المذهب الحنفي، وغيرهم([14]). ولذا كان خريجو هذه المدرسة الذين يعيّنون في التعليم يتمتعون بثقافة عصرية عالية إلى جانب ثقافتهم الأصلية، فكانت دار العلوم نموذجا عمليا للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، دونما حاجة إلى تنظير كثير ملأنا به المجلدات حول هذا الموضوع منذ أكثر من عشرين عاماً. ورغم أن كلية دار العلوم مازالت قائمة في مصر حتى يومنا هذا وتتبع جامعة القاهرة، إلا أنها اليوم تقتصر في تدريسها على علوم اللغة العربية وآدابها، فلم يعد لها عناية بالعلوم الأخرى الطبيعية والرياضية، وهذا نكوص عما كنا عليه قبل قرن ونصف من الزمان!! لقد تركت هاتان التجربتان أثرهما على أقطار إسلامية أخرى، وخاصة في تركيا العثمانية ابتداء من عهد السلطان محمود الثاني، وفي تونس أيام الباي أحمد باشا والمشير محمد الصادق الذين قاما بمحاولة بناء دولة حديثة على غرار