لحضارة ضعيفة هرمة لصالح حضارة فتية قوية التأثير في الجانب المادي والمعنوي، أو الحوار والتفاعل وتبادل المنافع والثقافات. فليس صحيحا إذن ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني شبنغلر من أن الحضارات تشكل دوائر منعزلة على نفسها، تحمل مصيرها الفردي وقدرها المحتوم الذي لابد أن يحل عليها في يوم من الأيام، حين تمر بدورة تشبه تناوب الفصول الأربعة في عالم الطبيعة، تولد في الربيع وتنمو وتزدهر في الصيف، وتهرم في الخريف، ثم يحل عليها الفناء في الشتاء. ورغم أن نظريته في نشأة الحضارات وتطورها ليست جدّية كل الجدّة إذ سبقه إليها ابن خلدون، فإننا نجد لها مصاديق عديدة في الماضي والحاضر. غير أن قوله بعزلة الحضارات عن بعضها البعض هو الذي يبقى محل نظر. والعلاقة بين الشرق والغرب في العصر الحديث مرت ومازالت تمر بألوان من الصدام والتفاعل كان الجانب الثقافي أحد مسارحها الرئيسة. فمنذ أن وطأ جيش نابليون أرض مصر، صحا المصريون على المنجزات وتقنيات وعلوم لم يألفوها من قبل، وبعد انسحاب الفرنسيين وتسلـم محمد علي باشا (1769 – 1849) للسلطة ابتدأ مشروعا طموحا لبناء دولة قوية مستقلة عن سيطرة العثمانيين، لا بل منافسة ومهددة لها، كما اتضح فيما بعد خلال الهزائم التي ألحقها الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي بالأتراك، وسيطر بموجبها على بلاد الشام وواصل زحفه على الأناضول، لولا أن تحالفت ضده الدول الأوروبية وساندت العثمانيين، وفرضت عليه المعاهدات التي حصرت نفوذه داخل حدود مصر. 3- تحديث التعليم وانشطاره: حينما بدأ الاحتكاك الحضاري مع الغرب لاحظ العلماء المصلحون والقادة المتنورون أن لا سبيل إلى اللحاق بركب الأمم المتقدمة والوقوف أمامها على قدم