المساواة إلا إذا امتلكنا مصادر القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تبني عليها الدول وتكون سياجا منيعا يحميها من غائلة العدوان. لكن هذه المصادر لا تتأتى من مجرد امتلاك السلاح والمال والصناعات والتقنيات وما شابه، بل تنبع من امتلاك منظومة العلوم التي أبدعت وطورت تلكم الإنجازات المادية المختلفة، لأن النهضة تبدأ بالعلم وبه تدوم. غير أن السؤال الملح الذي برز أمامهم هو: أي علم سيكون معياراً للنهضة والتحديث ويساعدنا في اللحاق بركب الحضارة؟ لقد كانت العلوم السائدة في ذلك الحين، كما ألمحنا سابقا، هي نفس العلوم التي كانت سائدة منذ قرون، ولكن بعد أن صبت في قوالب جامدة ومضامين عتيقة خارجة عن سياقها التاريخي والاجتماعي. وهي لا تتجاوز العلوم الشرعية وعلوم اللغة التي تغلب عليها الماحكات اللفظية والقضايا الشكلية التي لا صلة لها بالواقع إلا بقدر قليل، أما علوم الصناعة والحضارة والعمران وكل ماله صلة بعمارة الأرض فلم تعره المعاهد العلمية اهتماما، بل ينقل عبد الرحمن الجبرتي (1754 – 1825) المؤرخ المصري المعروف أن الجامع الأزهر وشيوخه في منتصف القرن الثامن عشر لم يكن لديهم اهتمام حتى بالعلوم الرياضية والفلكية التي يتوسل بها لمعرفة أوقات الصلاة، واستقبال القبلة، وأوقات الصوم، والأهلة التي تحدد أوائل الشهور العربية([10]). وبقي الأمر على هذه الحال حتى حصلت حملة نابليون وقامت دولة محمد علي الذي سعى لإقامة دولة عصرية قوية فنظم الإدارة، واهتم بالصناعات، وشيد السدود والقناطر، وأنشأ جيشاً وطنيا قويا وأسطولا بحريا، وأسس المدارس. ولكي يتخلص من التبعية للدول المتقدمة أرسل عدة بعثات علمية من