وأما على تعريفها الآخر فينحصر إدراكها بالعقل والذي ينبغي أن يقال عنها أنها تختلف من حيث الحجية باختلاف ذلك الإدراك... وبهذا يتضح أن الشيعة لا يقولون بالمصالح المرسلة الا ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم«[188]. وهكذا نجد على هذا المستوى من البحث أن التلاقي بين الفريقين يتم في هذه المرحلة أيضاً وإن كان الاختلاف يتحقق أحياناً في تشخيص المصاديق. والذي أود أن أضيفه هنا هو أن العمل بالمصالح المرسلة أمرٌ طبيعي في حدوده الطبيعية، وإن الذي تم تطبيقه في الدولة الإسلامية مثال على ذلك، ذلك أن المصالح المنظورة هنا هي المصالح العامة أو المصالح التي تعود إلى عموم الافراد، وهي التي ينظر إليها القائلون بالمصلحة المرسلة، ومع ذلك فان الأمر يعود إلى الحاكم الشرعي الولي الذي أوكلت إليه رعاية مصالح الأُمة، والحاكم عادة يشكل مجالس لتشخيص المصالح المذكورة. والفرق بين هذا وما يبحث عنه في بحث المصالح يتلخص في أمرين: الأول: إيكال الأمر إلى الولي وأهل الخبرة العملية الذين يستشيرهم وعدم الاقتصار على النظرة الفردية لهذا الفقيه أو ذاك. الثاني: أن الأحكام القائمة على المصلحة تبقى مؤقتة بمقدار قيام المصلحة ولا تشكل فتوى دائمة كما هو الحال لدى الفقهاء . وقد نص الدستور الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إيجاد مجلس لتشخيص المصلحة يقوم على حل الخلاف بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور، كما يقوم ابتداءً بتشخيص المصالح العامة وتقديم المشورة للقائد الولي في مجال إدارة شؤون الأُمة.