ومن موارد الاختلاف الكبرى، الاختلاف حول القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وأمثالها، وقد تعرض لها السيد الأستاذ بكل حكمة وموضوعية ودرسها بكل عمق، واستطاع من خلال دراسته أن يثبت حقيقتين كبيرتين: الأولى: أصالة الموقف الإمامي. الثانية: أن الهوة بين الموقفين ليست بهذا البعد الذي يتصوره البعض، بل قد تضيق هذه الهوة إلى الحد الذي يعود النزاع فيها لفظياً، ولو على مستوى بعض الاتجاهات. وهذا ما سنلاحظه فيما يلي: أ- القياس: وقد انتهى إلى أن تعريفه هو »مساواة فرع لأصله في علة حكمه الشرعي« وقد أكد أن هذا التعريف ليس محل الاعتراض المعروف على القياس، وإنما ينصب الاعتراض على تعريف آخر تم هجره، وهو »التماس العلل الواقعية للأحكام الشرعية من طريق العقل«. وقد أكد على أنهم أضافوا شروطاً في تعريف العلة كأن تكون وصفاً ظاهراً، ومنضبطاً ومناسباً وأن لا يكون الوصف قاصراً على الأصل، وبهذه الشروط قد تضيق شقة الخلاف. ومن هنا فهو لا يصدر حكمه السريع على القياس وإنما يؤكد على أن الحديث »حول حجية القياس متشعب جداً بتشعب أقوالهم وتباينها وطبيعة البحث تدعونا إلى أن نقف منها موقفاً لا يخلو من صبر وأناة«[186]. وهو يؤكد على أن المنع عن العمل إنما ينصب على قسم من أقسام القياس لا غير، فان المسالك لمعرفة العلة إن كانت مقطوعة أو قام على اعتبارها دليل قطعي فلا شك في الحجية، أما إذا كانت المسالك غير مقطوعة فهي التي يخالفها