عظمة لغة القرآن، حيث تنضج فيها الفكرة كزهرة ربيعية تفوح بالشذا الزكي، هذا إلى جانب إتقان الأدوات الخاصة بفن المقالة. ومقالة الصدر الموضوعية لو أدخلناها إلى مختبر النقد لوجدناها محتوية على مقوماتها بإتقان ، حيث )تعنى المقالة الموضوعية بتجلية موضوعها بسيطاً واضحاً خالياً من الشوائب التي قد تؤدي إلى الغموض واللبس( و)تحرص على التقيد بما يتطلبه الموضوع من منطق في العرض والجدل وتقديم المقدمات واستخراج النتائج(([156]). وحينما نتكلم عن المعايير النقدية للمقالة فإنما نقصد بها المعايير السليمة الحديثة، لا تلك التصورات التي عُرفت في القرن الثامن عشر لدى الانجليزي جونسون وإضرابه حيث يعرّف المقالة بأنها )نزوة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظم، هي قطعة لا تجري على نسق معلوم، ولم يتم هضمها في نفس كاتبها(([157]). وقبل كل هذا وذاك علينا أن نفرّق بين أديب يكتب بنفس علمي، وبين عالم يكتب بنفس أدبي، وقد كان الشهيد الصدر من النوع الثاني، لكنه حقّا كان متميّزاً، وقد أشار في مقدمة كتابه القيّم )اقتصادنا( إلى ذلك بقوله: )ان هذا الكتاب لا يتناول السطح الظاهري للاقتصاد الإسلامي فحسب، ولا يعني بصبّه في قالب أدبي حاشد بالكلمات الضخمة والتعميمات الجوفاء، وإنما هو محاولة بدائية – مهما أوتي من النجاح وعناصر الابتكار للغوص إلى أعماق الفكرة الاقتصادية في الإسلام(([158]). إذن فكل همّه الفكرة والضمون، وليس القالب والشكل، لكنه يريده قالباً جميلاً دون تكلّف أو إسفاف، وقد تم له ما أراد.