دراسات غير المسلمين فكرة العناية الإلهية نجدها في أفكار حضارات الإنسان عبر التاريخ، على سبيل المثال نجد أن المصريين والبابليين والآشوريين والأكاديين واليونانيين القدماء آمنوا بأن الإنسان جزء من الكون، ومن ثم يسري عليه ما يسري على الكون من قوانين([79]). ويتميز بنو إسرائيل وحدهم عن سائر البشر باعتقادهم أن هذه العناية الإلهية خاصة بهم، باعتبارهم شعب الله المختار([80]). وهذا التوجه القديم في الحضارات يشير من جهة إلى دور الدين في نشوء الحضارات العالمية، كما يشير من جهة أخرى إلى الجدل القديم الدائر في علاقة الإنسان بالله وما يستتبعها من مسائل الجبر والتفويض، ومساحات الافتراق والالتقاء بين دور الله ودور الإنسان في ساحة التاريخ والمجتمع، وهو جدل لايزال قائماً حتى اليوم. المؤرخون في العصر اليوناني والروماني آمنوا بوجود قوة إلهية مقدسة، لكنهم ذهبوا إلى أن حركة التاريخ تنطلق من إرادة الإنسان، والإرادة الإلهية تتدخل في دعم إرادة الإنسان الحرة ([81]). ثمّ يسود الفكر المسيحي الذي يرى (سقوط آدم) من الجنّة خطيئة مستمرّة في ذريّة آدم تباعد بينهم وبين الله. وتأخذ العناية الإلهية مفهوما جبرياً تعفي الإنسان من صنع تاريخه وتوكل الأمر لمشيئة الله وحده. ويعتبر القديس أو غسطين (354 – 450م) من أهم المفكرين الذين عالجوا فكرة حركة التاريخ وفقاً للفهم المسيحي في كتابيه (مدينة الله) و(الاعترافات)، ويقرر وجود مدينتين على ظهر الأرض: