ومهما اختلفت التفسيرات لهذه النظرية فمن المسلم أنها ترى للتاريخ قوانين خاصة يمكن دراستها من مجموع الظواهر الاجتماعية في الأمم المختلفة([72]). وترى أن الأمم تمر بثلاث مراحل، الأولى تنشا على أساس (عصبية) أو قل محفز حركي يدفع الجماعة لكي تنسجم وتتحرك وتحقق هدفاً كبيراً. ثم مرحلة التحضر وهي المرحلة التي تلي تكوين المجتمع ونموه عقلياً وعمرانياً واقتصادياً، ثم طور التدهور حين تصل الدول والحضارات إلى الهرم. والملفت في نظرية ابن خلدون أنه يشير إلى اشتراك العوامل في تحول الامم من حالة إلى أخرى. فالعامل في خلق المرحلة الأولى هو (العصبية)، وهذه العصبية هي التي تؤدي في المرحلة التالية إلى الحضارة من أجل إيجاد مجتمع قوي قادر على المقاومة والغلبة، ثم إن هذه الحالة المتحضرة وما يكتنفها من ظواهر تؤدي إلى السقوط والاضمحلال وهذه ملاحظة هامة في فكر ابن خلدون تفيدنا في مقارنتها بالآراء الاخرى وبرأي السيد الصدر. وأنقل هنا عن ابن خلدون ما يقرره بشان دور (الترف) (وهو الظاهرة التي يفرزها المجتمع المتحضر) في انهيار الأمم والدول، وهو تقرير يساعدنا في عملية المقارنة فيذكر: إن عوائد الترف تؤدي إلى العكوف على الشهوات، وتثير مذمومات الخلق، فضلاً عن أن الترف يذهب خشونة أهل البداوة، ويضعف العصبية والبسالة، حتى إذا انغمسوا في النعيم فإنهم يصبحون عيالاً على الدولة، كأنهم من جملة النسوان والولدان المحتاجين إلى المدافعة عنهم. ويرى : أن الترف مفسد لبأس الفرد ولشكيمة الدولة، الترف مفسد للخلق بما يحصل للنفس من ألوان الفساد والسفه، والترف مظهر لحياة السكون والدعة ودليل ميل النفس إلى الدنيا والتكالب على