علل داخلية تعطل الدعوة الإسلامية تاج الدين الهلالي([1]) مدخل وتمهيد الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى «وبعد». إن كل شيء إذا جَمُد وسَكَن أسِنَ: الهواء... الماء... الدم داخل جسم الإنسان... ويتجلى هذا واضحاً في الماء الراكد الساكن، عندما يتصف بهذه الصفة ، فتراه وقد نشطت فيه الجراثيم والبكتريا، وعلته الطحالب والحشائش الشيطانية، الضارة وأصبح مصدراً للعدوى والإصابة بالأمراض. والفاحص المتأمل المتدبر للحركة الفكرية للأمة الإسلامية يظهر له بكل جلاء ووضوح. ثبوت هذه الظاهرة الطبيعية في الميدان الفكري والمنهج العقيدي لبعض الفئات الإّسلامية حيث صار الفكر الجامد المتحجر للفئة المتطرفة المتشددة في غلوائها وتعصبها، بيئة صالحة وتربة خَصْبة لنمو العلل والداءات والمخاطر. ذلك عندما يعمد حملة هذا الفكر إلى اعتقال الإسلام في دائرة حزبية ضيقة، ويختزلونه في مظاهر شكلية سطحية ساذجة، تمنح العقل (إجازة) مفتوحة، فيصاب أصحابه بالجمود والتحنط. وفي هذه البيئة الخصبة الراكدة، يولد التطرف ويفرخ الإرهاب والخراب والدمار هذا ما أحاول معالجته في هذا المبحث المختصر. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. صفات الفرقة الخارجة على لسان الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى يشخص الرسول الأكرم(ص) معاول الهدم الثلاثة التي تقوض أركان هذا الدين، وتعطل مسار دعوة اللعماء الرساليين والوسطيين كما تشوه سماحة الدين، وتعطل وتسيء إلى سمعة المسلمين. فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): يحمل هذا العلمَ من خلف عدو له ينفون عنه (تحريف الغالين) (وانتحال المبطلين) (وتأويل الجاهلين). فهذه المعاول هي: 1ـ جماعة الغلو والتطرف والتنكب عن الوسطية واليسر والاعتدال. 2- المبطلون: الوضاعون الدساسون الذين أدخلوا في الدين ما ليس منه. 3- أهل التأويل الجاهل: من الذين يخوضون في المتشابه ويثيرون الفتن والشبهات بين العامة بالخوض في آيات وأحاديث الصفات بالتجسيم تارة أو التعطيل تارة أخرى. ومن هذه الفرق الهدامة جماعة التكفير، والتنفير، والتعسير التي تجسد وتتبنى فكر الخوارج، هذه الفئة التي أخبر عنها رسول الله(ص) في أحاديث صحيحة: أنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. *يحقر أحدكم صلاتَه مع صلاتِهم، وصيامه مع صيامهم. أي أنهم أكثر الصحابة صلاة وصياما. وإذا مر المرء قرب خيامهم سمع لهم دويا كدوي النحل من كثرة الذكر والتسبيح، ولكنهم مع هذ ه المظاهر العبادية، والالتزام بالنصوص الشرعية، والتمسك بها، إلا أنهم وقعوا في الفتنة التأويل والسقيم. ومرض الخروج عن اجماع الامة فكفروا جماعة المسلمين، واستحلوا دم فتى الفتيان وسيد الشجعان، مفتاح باب العلم وزوج الزهراء بنت الرسول أبا الحسن عليا(ع). ولقد نكبت الأمة الإسلامية بفئة الخوارج الجدد التي يقهمها الكليل للنصوص الشرعية، وعلمها القليل لمقاصد الشريعة السمحاء. قعَّدت قواعد وأصلت أصولاً من عندياتها، واعتنقت فكراً تنفيرياً أحمق ومنهجاً أخرق يعمل عملا مناقضاً ومغايراً للدعوة الإسلامية الرشيدة وأهداف السنة المحمدية. فزعمت لنفسها الخيرية والأفضلية والنجاة، ومن عاداهم أو خالف نحلتهم أهل شرك وكفر وضلال. ومن أهم سمات وصفات هذه الفرقة 1ـ الحكم على السواد الأعظم من المسلمين بالشرك والكفر والابتداع، حين يعمدون إلى الآيات القرآنية التي نزلت بحق المشركين وعبدة الأصنام، فيسحبونها ويطبقونها ويحكمون بها على أهل القبلة ممن يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ويزعمون لأنفسهم أنهم وحدهم الموحدون الناجون، وهذا نقض وافتئات وتكذيب لرسول الله(ص) الذي قال: أ – إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا، وأن الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم، فإن من شدَّ شَدَّ في النار. ب – وقال: إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم. ج – ويحدد صفات الجماعة المسلمة فيقول: إن الشيطان ذئب بن آدم وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية فعليكم بالجماعة والعامة والمسجد. 2- هدفهم الأساس وشغلهم الشاغل الطعن في عقائد المسلمين وإخراجهم من الملة على أعمال وآراء يسوغ فيها الخلاف إذ الأصل فيها أن يقال (أخطأت – أو ضللت) ولا يقال فيها (كفرتَ أو أشركت) ولقد كانت مهمة رسول الله(ص) ومن حمل لواء الدعوة من بعده هو إدخال عباد الله في دين الله، أما هؤلاء فمهمتهم ووظيفتهم إخراج المسلمين من دين الله. 3-طريقتهم عدوانية تثير الشحناء والبغضاء، وأمزجتهم سوداوية تعشق الغلواء، وما من مجتمع تجد فيه الدعاة المخلصين إلا ويقيض الشيطان له أعداء من الغلاة المتنطعين ، ونبي الرحمة يقول: هلك المتنطعون قالها ثلاثا «مسلم» ويقول إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم، الغلو في الدين (أحمد – والنسائي – والحاكم وغيرهم). 4- استحلالهم دما مخالفيهم، من العلماء والخطباء وأئمة المساجد على النحو الذي شهدته مصر، والجزائر، وأخيراً قتلهم للأبرياء والمستأمنين في المملكة العربية السعودية، وإقدامهم على ارتكاب المجزرة البربرية البشعة ضد المسلمين الشيعة في العراق. 5- تعميم الكفر على الدول والشعوب حكاماً ومحكومين، وإذا كانت لهم شبهة تأويلية بتكفير الأنظمة الحاكمة، اعتماداً على آيات قرآنية ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون – الظالمون الفاسقون (المائدة) على مافي هذه الآيات من تفصيل وقيود وآراء لعلماء المسلمين، فما ذنب الشعب المحكوم المغلوب عل أمره)؟؟ والله تعالى يقول: ومن لم (يَحكُم) بفتح الياء، ولم يقل «ومن لم يُحكم» بضم الياء وبهذا التعميم استحلوا الأموال العامة في بنوك الدولة، وأرواح عامة الشعب. *أخرج أحمد والطبري (رضي الله عنهما) عن أبي موسى الأشعري (رضي الله تعالى عنه) قال خطبنا رسول الله(ص)فقال: (( يا أيها الناس إتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل)) فقال له من شاء الله أن يقول له وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل قال: «قولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشركَ بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه» فهذا هو رسول الله(ص) يعلمنا أن الشرك نوعان: شرك نعلمه وشرك نجهله فنقع فيه ونحن لا ندري أن هذا شرك ثم بعد ذلك يطلب منا استغفار الله لما نجهله من الشرك، فدل ذلك على أن الله تعالى يغفر للجاهل مايقع فيه من الشرك وهولا يعلم. وجهل أولئك بالبون الشاسع مابين كفر العمل، وكفر الملة ، ومعاني الكفر الأكبر، والكفر الأصغر، والشرك الأكبر، والشرك الأصغر، وما أطلق عليه العلماء كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسوق. 6- إلهاء المسلمين بسفاسف فرعية جدلية، وفروع وقشور خلافية لم يجمع المسلمون على تحليلها أو تحريمها، وذلك بتكبيرها والنفخ فيها حتى تصير جبالاً وقلاعاً تحجبهم عن القضايا الكلية والمصيرية لأمتهم وحواجز تفصلهم وتمرق بهم عن جماعة المسلمين وعامتهم ومن ذلك اختزالهم للدين في مظاهر شكلية لا تغني عن جوهره وحكمته وأهدافه. ومنها الإساءة إلى الإسلام، وتشويه صورة المسلمين في البلاد المهجرية بالفتاوي التي تستعدي الشعوب الغربية على الأقليات المسلمة، ولا تتلائم مع ظروف ومتطلبات المسلمين المهاجرين. والخلط المشين مابين سنن العادات، وسنن العبادات ، وعلاقة الدعوة التي تربط المسلم بغير المسلم وخلطها بعقيدة الولاء والبراء، ومنها الإفراط في إعلان الحربعلى سكان القبور من الأموات، وإهمال سكان القصور، وما تتعرض له الأمة من دسائس ومؤامرات. 7- ومن مخاطرهم إغفال قاعدة (الضرر لايزال بضرر أكبر) وقاعدة إزالة المنكر. فكانوا سبباً رئيساً في شل وإخفاق الصحوة الإسلامية واليقظة الدعوية. باستعداء الأنظمة الحاكمة فبطشت بأهلها ودعاتها وفتحت أبواب الشر والتنكيل والحصار على حملة لواء الدعوة في كل مكان، فهؤلاء المنبتون لا أرضا قطعوا، ولا ظهراً أبقوا. 8- التطاول والاستخفاف والانتقاص من حق الأئمة والعلماء وإغراء الاغيلمة واعشار المتعلمين بالتحرش والنيل من مكانة الفقهاء وأكل لحوم العلماء بدعوى (أنهم علماء سلطة.. أو أنصار بدعة). فذهبت هيبة العلم بالتجهيل والاتهام بالجبن والعمالة والخيانة ، كأسلوب من العزل الفكري الذي يترتب عليه إسناد العلم إلى غير أهله فيكثر الجهل والتطرف حين يزهد الشباب في الأخذ من أهل الاختصاص ويستقون أفكارهم وعلومهم من دعاة الحمق والغلو والمروق فتسود الحالقة ويعم البلاء. وبهذا الموقف السلبي العدائي من أهل العلم، أحيوا موقف الخوارج من صحابة رسول الله (ص) وجماعة المسلمين، وتحقق فيهم ما أخبر به رسول الله(ص) سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لايجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. الحديث. فتأمل نبوءة الصادق المصدوق(ص) وأنت ترى صغار الشباب ، يهرفون بما لا يعرفون ويسلون سيف التشهير والتكفير في وجه الصغير والكبير، ويجترؤن على الإفتاء في مسائل علمية، لو عُرضت على أحد الخلفاء الأربعة، لجمع لها أهل بدر للاسترشاد برأيهم. ولا يغرنك مظهرم ولا صلاتهم ولا تنسكهم وطول لحاهم فإن الحديث السابق قد نوه الى كثرة عباداتهم وحفظهم وذكرهم ولكن علمهم القليل، وفهمهم الكليل للنصوص الشرعية، كان من وراء وقوعهم في هذه الفتنة العمياء. 9- ومن أخطر سمات هذه الفئة غلوائها الشديد في تعميق الهوية المذهبية، والإسهام في نشر وترويج المزاعم والجهالات على مدرسة أهل البيت، سفنية النجاة(ع) ووصف طائفة كبيرة من الملسمين الشيعة، بأقذع الصفات وأخس الاتهامات مروجين أغلوطات ومقولات شاذة لغلاة التشيع المرفوضة عند المحققين الثقاة من علماء المذهب الجعفري. مثل فريةالمصاحف المنسوبة، والآيات المحذوفة والجهل الفاضح بالمفهوم الصحيح لأحكام (التقية) (والبداء).. الخ. وغير ذلك من المسائل التي يثيرونها بطريقة ناصبية غلوائية لا تخدم إلامشروع الفتنة ولا يستفيد منها إلا أعداء الإسلام والمتربصون بالمسلمين. علل داخلية وراء المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية الحمدُ لله الذي بعث نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله ) بكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. و(صلى الله وسلم) على مبعوث الرحمة الإلهية محمد الذي كرمه ربُّه بشريعة سمحة وآيات محكمة فكان خير داع إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ففتح الله به القلوب وأنار البصائر، وأصلح النفوس، وجمع الكلمة «لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ما ألفتَ بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم» وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. لـمّا أراد الله تبارك وتعالى للظلام أن يدبر وللصبح أ ن يسفر وأن تنعم الأرضُ بعدالة السماء، وأن يُشرق الكون بنور ربه. وحين أراد سبحانه أن يكمل دينه ويتم نعمته ويختم رسالاته فجر في قلب الجزيرة العربية ثورة نورانية إيمانية حنيفية سمحة ميَّزها بالوسطية والاعتدال، ووصفها بالخيرية والشمول والكمال، وضمن لها الخلود والبقاء فقال سبحانه. «اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ نعمتي عليكم ورضيتُ لكم الإسلام دينا». (المائدة:3) «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس» (البقرة: 143). «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله» (الفتح: 28). ولما أخذ المسلمون الأوائل بأسباب العزة والنصر والتمكين والتزموا معية الله. وأسلموا قيادهم وانضبطوا في حركة حياتهم بتعاليم إسلامهم تحولوا في سنوات معدودات من جماعات للقبلية متعصبين وبنار العداوة متحاربين إلى إخوة متحابين وبحبل الله معتصمين. وتحَّولوا من عبادة الأصنام والأحجار إلى وحدانية وعبادة الواحد القهار، ومن البداوة والأمية ورعي الغنم، إلى عباقرة وقادة وساسة وفاتحين للأمم. فأخذوا زمام المبادرة والقيادة والريادة من جميع الأمم وخفقت أعلامهم على ربوع الأمة الفارسية والرومية «الشرقية والغربية» وسطع نجم دولة التوحيد، وامتدت رقعتها وتوالى أفول نجوم قوى البغي والشرك التي انضوت تحت لواء التوحيد الذي ارتفع ليناطح السحاب ويشاركَ الشمسَ في الضياء. إن سلفنا الصالح قد فتحوا الفتوح، وأفاء الله عليهم من عز الدنيا وثواب الآخرة مما بوأهم وأهلهم للرضي والرضوان لأنهم قد أخذوا بأسباب النصر والتمكين، والتي من أهمها: 1ـ الفهم الصحيح لمعنى كلمة التوحيد؛ 2- الاعتصام بحبل الله ؛ 3- تحقيق مفهوم الإخوة في الله؛ 4- إخضاع العواطف لمراد الله، والاتصاف بصفة الصُّحبة التي وضعها الله لأمة رسول الله أشداء على الكفار رحماء بينهم – أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين؛ 5- النهوض بتبعات الدعوة إلى الله، بالحكمة والرحمة والرفق لإدخال عباد الله في رحمة دين الله. لماذا ضاعت هيبة المسلمين؟ ونتساءل في حسرة وألم ونحن نرى ما آل إليه حال أمتنا الإسلامية من ذهاب قوتها، وضياع كرامتها، وسقوط دولتها، وانتهاك مقدساتها وحرماتها، وكيف أضحت الأمة كالقصعة التي تداعى إليها الأكلة من كل حَدَب وصَوْب، بعد أن حل بها الضيْمُ والذل والوَهْن لا عن قلة عددية أو نقص في الموارد الاقتصادية وإنما بسبب الغثائية التي تنتج عن طوفان السيل العرم الذي يجرف في طريقه كل ما خف وزنه وقلت قيمته. نعم: إني اتــَّجهت إلى الإسلام في بلد: تـَجِدْهُ كالطير مقصوصاً جناحاه وأصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، طمع فيهم أراذلُ الناس وصارت بلادهم مرتعاً للذئاب البشرية، تذبح أبناءهم، وتفترس نساءهم وتستبيح كرامتهم، وإذا شخصنا الداء بحثاً عن الدواء فإننا نجد مردّ ذلك إلى سببين رئيسين أولهما عوامل ومؤامرات خارجية، حذرنا الله تبارك وتعالى منها وأخبرنا أنهم لا يزالون يقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا، وأعداء هذه الأمة يعلنون حرباً ضروساً شرسة مخططة ومبرمجة ومدروسة معتمدين على يد حريرية: تحكم الخناق حول أعناق الأمة عن طريق الغزو الفكري والتسلط الاقتصادي والتضليل الإعلامي، والتشويه الثقافي ، ويمكننا تلخيصها وحصرها في خطوات ثلاث: (التزوير – والتحذير – والتنصير) بَـيْدَ أن العلل الداخلية والأمراض الذاتية التي أصيب بها المسلمون من الداخل أشد فتكاً وأعظم خطراً من المخاطر الخارجية. وتحتاج منا إلى تحديث الخطاب الديني لمواجهة العيوب والعلل الداخلية. أولاً: إن الله لا يغيرُ مابِقَوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم (الرعد/ 11)، ذلك بأن لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتَى يغيروا ما بأنفسهم (الأنفال/ 53)، وإن أردنا حصر هذه العلل الداخلية فإنها تتمثل في أمراض ثلاثة التعسير – والتنفير – والتكفير وهذا ما نحاول تسليط الضوء عليه في هذا المبحث ومناقشة أسبابه ودوافعه وبيان الحجة والبرهان على بطلان معتقداته. فالمسلمون هم الأوعية والآنية التي تحمل هذا الدين الحنيف ومعلوم أن الشراب الطيب الصالح، لا يُستَساغ شرابُه إلا إذا قدِّم في آنية نظيفة نقية، فإذا كان الشراب سائغاً للشاربين ولكن الوعاء الذي يحمله متسخاً وملطخاً وملوثاً، زهدت عنه النفوس ومجته الأذواق ونفرت منه القلوب فأنَّى لهذا الدين أن يجد طريقه إلى القلوب والمسلمون على ماهم عليه من هذا الفصام النكد وبين هدى قرآنهم وأخلاق رسولهم. لقد فقد المسلمون التراحم فيما بينهم فكيف يرحمهم الله، وفقدوا التناصر فكيف ينصرهم الله، وفقدوا التآخي والتحاب فكيف يحبهم الله وبكل صراحة وإنصاف لو أردنا جواباً مصيباً شافياً لهذه التساؤلات لكان الجواب: أن المسلمين تَخلوا عن مقومات النصر، وفقدوا صفات التمكين. فلا اعتصام بحبل الله، وإنما تنازع ترتب عليه الفشل وذهاب القوة ولا أخوة ولا ولاء: وإنما تقاطع وتدابر وتباغض وجفاء ولا اتصاف بالصفات القرآنية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحبه، فصاروا أشداء على بعضهم رحماء مع عدوهم. وقد عادت الجاهلية الأولى بحميتها وعصبيتها القبلية ولكن في ثوب العصبية الفئوية والنزعات المذهبية والفرقية والحزبية، كل فرقة تدعي لنفسها النجاة والخلاص، ومن عداهم أهل شرك وضلال، وكل حزب بما لديهم فرحون، كما عادت الصنمية والوثنية في التعصب الأعمى للأشخاص تعصبا يقوم على الهوى والامَّعيَّة، أما عن حمل الدعوة الإسلامية السمحة، فإن الجهل بلغ منتهاه والتطرف والهوس جاوز مداه، فإن رسول الله(ص) وسلفنا الصالح كا ن هَمُّهم الأوحد وشغلهم الشاغل إدخال الناس في الإسلام بينما هؤلاء لا شغل لهم إلا إخراج المسلمين من الإسلام وشتان بين هؤلاء وأولئك. معاول الهدم وسوء الفهم في حديث لرسول الله(ص) يُحذر أمته من معاول الهدم والتدمير الداخلي التي تشكل خطراً عظيماً علىالنصوص النبوية وقد حددها بثلاثة معاول فقال: يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدو له ينفون عنه (تحريف الغالين) (وانتحال المبطلين) (وتأويل الجاهلين). المعول الاول الغلو: الذي نهى رسول الله(ص) عنه بقوله: إياكم والغلوَّ في الدين. وقال: هلك المتنطعون ، ثلاثاً. المعول الثاني: انتحال المبطلين: الوضاعين، الدساسين، الذين إن رأوا حديثاً يخدم أهواءهم ويدعم دليلهم، قاموا بتصحيحه وعمدوا إلى تقويته بكل أنواع الفيتامينات حتى يصير مدرعة عسكرية تقوم بسحق كل مخالف أو معارض. المعول الثالث: الذين في قلوبهم مرض ممن يخوضون في المتشابهات وآيات وأحاديث الصفات فيخوضون في ذات الله بالتجسيد تارة والتعطيل تارة أخرى. أما أزمة الفهم التي تعاني منها الجماعات الإسلامية فتتمحور في ست قضايا: أولها: عدم التمييز بين الوسائل المتغيرة والأهداف والغايات الثابتة. وثانيها: عدم الإحاطة والمعرفة بالأحكام العلمية العقيدية التي يعبر عنها (بأصول الدين) والأحكام العلمية التشريعية التي يعبر عنها (بفروع الدين) فيقع الخلط بين الأصول والفروع. وثالثها: عدم التفريق بين سنن العبادات والعادات. ورابعها: الإغراق في التمسك بظواهر النصوص وحرفيتها فتتجرد الشريعة من روحها وحكمها التي من أجلها جاء التشريع لتحقيق مصالح ومنافع العباد. وخامسها: الجهل بفنون المعاني البلاغية ذات المجاز والكناية، وعدم التعريف بين الحقيقة والمجاز. وسادسها: التعصب للآراء والأقوال المعتمدة على أحاديث الأحاد وإن صحت دون معرفة لما هو حجة ودليل في المسائل العقيدية، وما هو لازم لها من الأحاديث المتواترة. وقبل أن نشرع في تفنيد ومعالجة هذه القضايا الهامة أقدم بين يديها بثلاث نصائح أخوية صادقة إلى جميع إخواننا وأبنائنا الدعاة وطلبة العلم تكون لهم نبراساً على طريق الدعوة إلى الله عز وجل.. النصيحة الأولى نبي الرحمة كان يُعلِّمُ ويُوجِّه ولا يُكفِّر ويُنفِّر: يقول علماء الإسلام – أكرمهم الله – إن دراسة سيرة رسول الله(ص) تـُظهرُ بوضوح أنه(ص) لم يكفر أحداً من المسلمين في عده رغم أنهم كانوا يخطئون ويذنبون، وبعضهم يرتكب الكبائر كسائر الخلق. فمنهم من شرب الخمر حتى أدمنه، ومنهم من وقع في جريمة الزنا، أو تخلف عن الجهاد، أو وقع في شرك لفظي، أو قال أقوالاً ظاهرها يشبه أعمال وأقوال المشركين. فكان(ص) يُعلِّم المخطئين ويرشدهم ويهديهم إلى جادة الصواب وطاعة الله عزوجل بكل رفق وعطف ومحبة وسماحة وسعة صدر: 1ـ روى أن رجلاً أهدى لرسول الله(ص) راوية خمر. فقال له(ص): أما علمت أن الله عزوجل حرمَّها؟ فقال الرجل: افلا أبيعها؟ فقال النبي(ص): إن الذي حرَّم شُربَها حرَّم بيعَها. فقال الرجل: أفلا أكرم بها اليهود؟ فقال النبي(ص): إن الذي حرمه. حرم أن يكارم بها اليهود. فقال الرجل: فكيف أصنع بها. فقال (ص) شنها على البطحاء. (أي اسكبها على الأرض). (مسلم وغيره). 2- عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله(ص) قبل حُنين فمررنا بسدرة (شجرة) فقلت: يا نبي الله اجعل لنا هذه ذات أنواط (كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعلقون عليها. فقال النبي(ص): الله أكبر. هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (أجعل لَنا إلها كما لهُم آلهةٌ) إنكم تركبون سنن من كان قبلكم (احمد والترمذي وصححه). 3- عن ابن عباس قال: قال رجلٌ للنبي(ص) ماشاء الله وشئت. فقال النبي(ص): أجعلتني لله نداً؟ قل ما شاء الله وحده(النسائي). فلم يقل نبي الرحمة للمخطئ (كَفرتَ، وحَبِطَ عملك، وعليك أن تجدد إيمانك، وأن تدخل في الإسلام من جديد. كما يفعل شبابنا من أتباع جماعات التفكير والتشدد هداهم الله وخلَّقهم بأخلاق نبيهم. بدعة التكفير ترجع إلى الخوارج: إن الذين يكفرون المسلمين بالشبهات وفي المسائل الخلافية إنما يسيرون على خُطى الخوارج الذين نُكبت بهم الامة بعد معركة صِفين. وقبول الإمام عليَّ (رضي الله عنه وكرم وجهه) بالتحكيم. فاعتبروا التحكيم كفراً. فكفروا الإمام عليَّا. ومن معه، ومن خلفه، وكفروا عامة الصحابة والمسلمين، ثم كفروا كل من خالفهم، ومن يرتكب الكبيرة دون تفريق بين ذنب وذنب. واستباحوا دماء مخالفيهم وقتل نسائهم وأطفالهم وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم. فخططوا لاغتيال كبار صحابة رسول الله(ص) فقتلوا صهر رسول الله. وأول فدائي في الإسلام الإمام عليا وذبحوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب بن الأرت التميمي هو وزوجته التي كانت حاملاً. وفي عنقه المصحف (كتاب الله عزوجل). ووقعوا في فتنة التأويل الفاسد لكتاب الله وأحاديث رسول الله(ص). النصحة الثانية التكفير في ميزان القرآن والسنة: إن شهادة التوحيد كانت ومازالت هي الفيصل بين الإيمان والكفر، فعندما يشهد العبد لله بالوحدانية، ويشهد لمحمد(ص) بالرسالة، فإنه يكون من أتباع دين الإسلام، وبقية أركان الإيمان إنما هي متفرعة عن هذين الأصلين. ولقد أستحدث المسلمون أصولاً وقواعد وتفريعات، بنوا عليها أصول مذاهبهم، وفرقهم تحكم بها على إسلام وإيمان من اعتقدها ودان بها، وتشهر سيف التكفير والإخراج من ملة الإسلام لمن خالفها. والغريب أن الحكم بتكفير المسلم يعتمد على علم أسموه علم التوحيد فنجد لكل فرقة أو طائفة أو جماعة توحيداً خاصاً بها، ولو أن المسلمين اكتفوا بالتوحيد النبوي الحنيف المتخلق بأخلاق القرآن الكريم دون فلسفات يونانية، أو هرطقات عقلية، أو جدليات كلامية، لم وصل حالهم إلى ماصار إليه. الأحكام المترتبة على تكفير المسلم إن الجرأة على تكفير الملسم كفراً يخرجه من الملة يترتب عليه مايلي: 1ـ قطعنا أنه مطرودٌ من رحمة الله. 2- وأنه مخلد في النار. 3- وجوب التفريق بينه وبين زوجه إذ أن المسلمة يحرم عليها أن تبقى في عصمة كافر بالإتفاق. 4- وأن أبناءه بعد كفره هم أبناء سفاح لبطلان العصمة الزوجية. 5- خروج الأولاد عن ولايته فلا ولاية لكفار. 6- استحلال دمه. 7- محاكمته أمام القضاء الإسلامي لإستتابته أو إقامة حكم الردة عليه. 8- امتناع التوارث بينه وبين أقاربه فلا يرث ولا يورث. 9- إذا مات لا يُغسل ولا يُصلى عليه. 10- لا يُدفن في مقابر المسلمين. 11- إنه فقد الولاية والنصرة من المجتمع الإسلامي، فتجب مقاطعته. 12- لا يدعى له بالرحمة ولا يستغفر له. فالكفر حق الله ورسوله، فلا كافر إلا من كفره الله ورسوله. أقسام الكفر كما أن الإيمان له شعب ودرجات، فإن الكفر أيضا له شعب وأقسام. فالكفر قسمان: 1ـ الكفر الأكبر: الذي يخرج من الملة، وهو الذي يوجب الخلود في النار ــ والعياذ بالله ــ قال تعالى: (فمنهم من آمن ومنهم من كفر). 2 – وكفر أصغر: او كفر دون كُفٍْ. وهذا كفر لغوي لا يخرج من الملة. النصيحة الثالثة قواعد ذهبية لكل طلاب العلم الشرعي وأضع بين يدي طلاب العلم الشرعي بعض القواعد الذهبية التي أقرها الراسخون في العلم من أئمة الدين وعلماء المسلمين. لتكون لهم نبراساً ودستوراً في تعاملهم مع المسلمين. حتى نلقى الله تعالى خفافاً ناجين وليس في أعناقنا أحد من المسلمين نلنا من عقيدته بالتكفير أو التفسيق. الأولى: أعلم أخي الحبيب ، إن كل حكم شرعي ورد فيه (المنع أو الجواز) يدخل تحت فروع الدين وليس أصول الدين. وبالتالي فإن إدراجه تحت حكم (الكفر، والإيمان) إنما هو تلبيس، وتدليس. ولاتقره الأصول العلمية المقررة عند أهل العلم، فلا يجوز لمن ظهر له حكم المنع بدليله أن يكره أو أن يصادر رأي من ظهر له حكم الجواز بدليله. والمسلمون ملزمون بالعمل بما صح عندهم اعتماداً على أقوال الأئمة المجتهدين لا بما صح عند غيرهم. وبما اقتنعوا به، لا بما أفتى به غيرهم. ثم إن الدين النصحية. لا الوقاحة ولا التكفير. الثانية: وقع اتفاق الأمة على أن المسلم إذا عمل عملاً يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهاً. ثم هو يحتمل الإيمان من وجه واحد. وجب الأخذ بهذا الوجه الإيماني وحده. وإسقاط اعتبار بقية الوجوه، وإذا كانت الحدود تــُدرأ بالشبهات فكيف بالآراء في الفروع. ولو تصيَّدنا للمسلمين الزلات، وأخذناهم بالشبهات. وفرضنا عليهم رأيا فقهياً واحداً ما دخل الجنة أحد بناء على هذا الفهم السقيم. الثالثة: روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) بإسناد حسن: كفوا عن أهل لا إله إلا الله. لا تكفروهم بذنب، وفي رواية ولا تخرجوهم من الإسلام بعمل. ولكن لا يدخل في هذا النهي من خالف أمراً معلوماً من الدين بالضرورة أو استحل ما حرم الله باتفاق جميع المسلمين. كما لا يجوز لنا أن نستشهد بالآيات القرآنية التي أنزلها الله بحق المشركين ونطبقها على المسلمين لارتكابهم بعض الأخطاء في المسائل الخلافية الفرعية وسحب حكمها على الموحدين لما في ذلك من نقل للحكم إلى غير موضعية بلا وجه حق. وقد نص البخاري على أن هذه الطريقة إنما استحدثها (الخوارج) في دين الله حينما عمدوا إلى ما أنزل الله في الكفار. فطبقوه على المسلمين تعصباً وغلواً بغير دليل. رابعاً: التخلق والتحلي بهذه القواعد التي صدرت عن الأئمة الثقات: *رأي صواب ويحتمل الخطأ. ورأي غيري خطأ ويحتمل الصواب. وفوق كل ذي علم عليم. *كلُّ منا يؤخذ من كلامه ويُرَد إلا صاحب الروضة المشرفة عليه الصلاة والسلام. *لنتعاون فيما اتفاق عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. خامساً: الحديث النبوي القائل: إن الشيطان ذئب ابن آدم. وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية فعليكم بالجماعة والعامة والمسجد. وورد أيضاً: لا تجتمع أمتي على ضلالة.. والاستشهاد بالآيات التي تدل على عدم الاكتراث بالكثرة (وَما أكثرُ النّاسِ ولو حرصت بمؤمنين) وإن تطع أكثر من في الأرض.. إنما تتعلق بكثرة أهل الباطل من أهل الكفر والشرك والعياذ بالله. مناقشة القضايا الست موضع الخلاف والتفرقة القضية الأولى: الوسائل والأهداف في الأحكام الشرعية لقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام لها غاياتها وأهدافها ومقاصدها وهذه الأهداف ثابتة دائمة لاتزول ولا تحول. وهذه الأهداف تتحقق بوسائل آنية أو بيئيَّة وقد تتغير باختلاف الزمان والمكان والعرف. وينشأ الخلاف بسبب الخلط والزلل وسوء الفهم حول هذين الأمرين وتوضيحاً لهذا المعنى نسوق مثالاً ليتضح به الحال، لو أن رجلا أمر أبناءه بالتوجه إلى البحر لصيد بعض الأسماك لإطعام الاسرة، فامتثل الأبناء لأمر أبيهم وقام كل واحد باستعمال وسائل مختلفة تنوعت باختلاف آلة الصيد ونوع (الطُّعم)، وعادوا آخر النهار بما رزقهم الله من سمك. الهدف واحد – والوسائل متعددة وقياساً على هذا المثال. أمرنا الله تعالى بقوله «واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوَّكم» (الانفال: 60). الغاية والهدف: هو الإعداد والاستعداد بأسباب القوة اللازمة لمواجهة الأعداء والدفاع عن حرمة الأوطان. والوسيلة التي استعملها رسول الله(ص) وسلفنا الصالح لتحقيق هذا الهدف هي (الخيول – والجمال – والسيوف – والرماح – والتروس.. الخ) بينما الوسائل المطلوبة في عصرنا لتحقيق الهدف هي مرابط المدفعية والدبابات والراجمات والطائرات وشتى الوسائل التقنية والعصرية. ومنها أمر الله تعالى الملسمين بإقامة الصلاة وإنها لا تصح إلا في كتابها وزمنها الموقوت. ولتحقيق هذا الهدف أتى جبريل رسول الله(ص) وبين له مواقيت الصلاة وحدد له زمانها ( وقت الظهر – والعصر – والمغرب – والعشاء – والصبح) وأرشده إلى وسيلة تتعلق بالشمس طلوعاً وغروباً واستواءً وقياس ومراعاة الظلال بالزوال. والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لا يعتمدون هذه الوسيلة النبوية وإنما يعتمدون على تحقيق الهدف بالساعات اليابانية – والفرنسية – والسويسرية تغيرت الوسيلة. وبقي الهدف ثابتاً لم يتغير ونظيره الحث علىطلب العلم، وفضل التعليم والتعلم، ولقد تحقق هذا الهدف في زمان سلفنا الصالح بالتلقي المباشر في حلق العلم داخل المساجد بينما تغيرت هذه الوسيلة في زماننا باستحداث المدارس والمعاهد والجامعات والوسائل العصرية (الكومبيوتر – الإنترنت ووسائل الإعلام المتنوعة). ومنها: أمره (صلى الله عليه وآله) أمته: بالاستبراء والاستنزاه من البول كشرط من شروط الطهارة والوضوء. وقد كانت وسيلته (ص) ووسيلة السلف الأول: هي (الاستجمار) أي قطع بقايا البول بالأحجار (حصى الأرض أو رملها... الخ). وقد تغيرت هذه الوسيلة باستعمال الأوراق، وبخار الهواء الساخن، وآلات المياه المضغوط، وغيرها من وسائل التنظيف والاستبراء. ومنها : فريضة الزكاة التي كانت محصورة ومعرفة في أنواع معينة، وقد تغيرت هذه الأنواع باستحداث مزارع الأسماك والدواجن، والنـَّعام، والفواكه، وأصناف التجارة والعملة الورقية فهل يبقى أصحاب هذه الثروات بلا زكاة يدفعونها وهي التي تدر عليهم أموالاً طائلة. فلابد من اعتماد الرأي القائل بوجوب تزكيتها تطبيقاً لقوله تعالى: (ومما رزقناهم يُنفقون) . ومن ذلك زكاة أو دقة الصيام، التي كانت تخرَج من أصناف أربعة فقط في زمان رسول الله(ص) . حيث كان قوت الناس من هذه الأنواع. كما أن زمن إخراجه كان محصوراً في زمن محدد (من طلوع فجر يوم العيد إلى وقت صلاة العيد). وفي عصرنا هذا لا مانع في الأخذ بالقول القائل بجواز إخراج قيمتها نقداً وفي أي وقت من رمضان ليتحقق الهدف المنشود منها وهو قوله(ص): إغنوهم (أي الفقراء) من مذلة السؤال في هذا اليوم. ومنها فريضة الصوم: التي حدد رسول الله(ص) وسيلة إثبات بداية ونهاية شهر الصوم (بالرؤية البصرية) حيث كانت الوسيلة الوحيدة المتيسرة والمتاحة للناس في زمانه(ص) وقــــد عللها بقوله: نحن أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. وفي عصرنا حيث زالت هذه الأمية ووجدت وسائل علمية دقيقة يتحقق بها الهدف وتضبط بها السنة ضبطاً أدق وأوثق من الرؤية البصرية، لذلك لا مانع من الأخذ بوسائل العلم الحديثة المؤكدة لاسيما والحديث يقول لرؤيته وليس لرؤيتك. فإذا اعتبرنا الأخذ بالعلم والحساب أمرا مذموماً، فإن تعلم الكتابة والحساب يعد أمرا مذموماً أيضاً، لتبقى الأمة الإسلامية أمية كما وصفها رسول الله(ص) وهذه دعوة إلى تأصيل الجهل من أوسع أبوابه. ومنها: الركن الخامس في الإسلام: الحج: وهو عبادة ومناسك معلومة لأماكن معلومة (الوقوف بعرفة والحلق أو التقصير) مناسك ثابتة دائمة إلى يوم القيامة، لا مجال لتغيير زمانها أو مكانها. لكن وسائل تحقيقها والوصول إلى الأماكن المقدسة تغيرت بتغير الزمان وتوفر وسائل المواصلات العصرية الحديثة (سيارات – طائرات). ومنها استغلال المواسم والمناسبات الدينية مثل ذكرى الهجرة، والمولد النبوي الشريف لتذكير المسلمين بتعاليم دينهم وهدى رسولهم ومنها الاستعانة بالسُّبحة في الالتزام بالأوراد والأذكار المشروعة وإن كانت وسيلة غير معروفة في زمن سلفنا الصالح إلا أنها أنفع عونا من العد على الحصى أو النوى أو الخيوط المعقودة لتكفي السبحة المسلم مهمة الحصر والعد ليستغرق في معاني الذكر وخشوع القلب، ومن الجهل بمكان أن يقال عن كل هذه الوسائل المستحدثة أنها بدعة وكل بدعة ضلالة، أو أنها زيادة في الدين، مع أنها جميعاً تندرج تحت مسمى العبادات. يقول العلامة يوسف القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع السنة) ص 143 ومن عجيب ما سمعته ماذكره لي بعض العلماء: أنه زار بعض البلاد الإسلامية في آسيا فوجد في دورات المياه عندهم (وعاء) مليئا بالأحجار الصغيرة (الحصى) وآخر لوضع الأحجار المستعملة، فسألهم عن سبب ذلك: فقالوا: إننا نستنجي بالماء، ونستجمر بهذا الحصى إحياء للسنة. وكا على هؤلاء أن يبنوا مساجدهم بالطوب اللبن وأن يسقفوها بجريد النخل ويفرشوها بالحصباء، ويضيؤوها بمصابيح الزيت وأن يدعوها بدون أبواب إحياء للسنة أيضا، فكيف والمساجد مبنية على أحدث طراز ومزخرفة ومفروشة بالسجاد الفاخر، ومضاءة بثريات الكهرباء. مثال لاختلاف الوسائل في زماننا وزمان رسول الله(ص). البخاري: أنس يقول : قال (ص): البزاق بالمسجد خطيئة وكفارتها دفنها يستفاد منه: 1ـ أن المساجد منذ عهده(ص) لم تكن مفروشة، بل كانت ترابية: مفروشة بالحصباء على طبيعتها. 2- وأن ماكان مقبولا من أعمال تحدث داخل المسجد في عهد(ص) قد يكون مُستـَهجنا ومرفوضا في عصرنا هذا. (وكذا ما رواه مسلم). ملسم: أبي ذر: قال(ص) عُرضت على أعمال أمتي حسنـُها وسيئُها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطرق ووجدت في مساوى أعمالها: النخاعة تكون في المسجد لا تدفن. مسلم (ص): من دخل المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفـُر وليدفنه فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم ليخرج به. مسلم: عن أبي هريرة أن(ص): أيُحبُّ أحدكم أن يأتيه رجل وهو يصلي فيبزق أو يتنخع في وجهه، إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه، ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه وإلا بزق في ثوبه فدلكه، الظروف البيئية كان تسمح بمثل هذه الفعال، ولا يجوز في هذا الزمان استناداً إلى ما كان ممكنا و مقبولا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فماذا يكون موقفك لو أنك قمت: فبصقت في المسجد تحت رجليك ثم حككته بقدمك. القضية الثانية: الفارق مابين أحكام العقيدة وأحكام الشريعة للإسلام شعبتان أساسيتان متلازمتان لانفصام بينهما وهما: العقيدة: وهي الأحكام التي يجب أن يعتقدها المسلم اعتقادا جازماً لا يعتريه ريب أو شك وهي أول ما دعا إليه جميع رسل الله السابقين، متمثلة في إفراد الله تعالى بالعبودية والإقرار له بالألوهية والوحدانية. قال تعالى: لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت (النحل:36) والعقيدة تعرف بالأحكام العلمية، وتسمى أصول الدين. والشريعة: وهي مجموعة الأوامر والأحكام التي شرعها الله ورسوله وهي التي توضح وتبين العلاقة بين العبد وربه (بفقه العبادات) والعلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان (بفقه المعاملات) وتسمى (الأحكام العملية) وتعرف بفروع الدين وأهم ما امتازت به الشريعة الإسلامية. 1ـ الشمول والكمال والتمام ؛ 2- الوسطية واليسر والتمام؛ 3- ثابتة الأصول، مرنة الفروع؛ والأحكام العقيدية التي هي أصول الدين التي تجمعها أركان الإيمان. الايمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر... متفق عليها بين جميع المسلمين ولا مجال للاختلاف فيها. وأما مسوغ الاختلاف وتباين الآراء والمذاهب فإنما يكون في الأحكام العملية التي هي (فروع الدين) ولذا فإن مناص الحكم على من نَرَى عدم صوابه أو مخالفته لما نراه على مبلغ علمنا حقا وصوابا، أن نقول له، أخطأتَ لا كفرتَ مادام الامر يتعلق بمسألة من فروع الدين. والمنهج الأحسن أن نحسن الظن بجميع أهل القبلة المتفقين مع بعضهم في الأصول. ولا يحل لفئة أو جماعة أن تعتقد لنفسها العصمة والكمال والنجاة والتفرد بالحق، وترى من عداها من المسلمين أهل شرك وضلال وابتداع ، ولقد بين نبي الرحمة (ص) لأمته صفات الجماعة المسلمة الناجية حيث أن حديث افتراق الأمم إلى فرق وأن أمة محمد سيبلغ عدد الفرق فيها إلى ثلاث وسبعين فرقة، جميعها في النار إلا واحدة وما من مذهب أو جماعة إلا وترى أنها هي هذه الفرقة الناجية: والصواب ماقاله الصادق والمصدوق(ص): 1ـ إن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة أبدا، وإن الله مع الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فأن من شذِ شذِ في النار (الحكم – وأبو نعيم). 2- إن أمتي لا تجتمع علىضلال فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم (الترمذي) (كشف الخفاء) (والحاكم). 3- يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف الجماعة يركض، وأحاديث التمسك بالجماعة في الصحيح أشهر من أن تحصى والتشكيك في صواب الكثرة، بالاستشهاد بالآيات التي تذكر أن أكثر من في الأرض، هم أهل الشرك والكفر والضلال فإنما هو إشارة إلى كثرة ملل وأمم الكفر على ظهر الأرض فمن يرمي السواد الأعظم بالشرك والضلال، إنما هو إلى الضلال والمروق أحرى وأقرب. ولو عدنا ثانية إلى حديث الفرق: افترق اليهود والنصارى إلى كذا وكذا هذا الحديث قد تكلم فيه أهل الحديث واثخنوه بالجراح سنداً ومتناً، ولم يبلغ درجة الإجماع على صحته وعلى تقدير صحته، فإن هذه الفرق لا تنطبق إلا على فرق غلاة الخوارج والباطنية والقرامطة والبهائية والقاديانية، وتعددت الأقوال في مفهوم العدد وحصره، وقد بسط القول الإمام أبو إسحاق الشاطبي في المسألتين (16 – 17) من الباب التاسع في كتابه الاعتصام. وكذلك المحدث الكوثري في مقدمته على كتاب التبصير، وقال: ورأى إبن حزم في حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة: بعد أن ذكر حديث بعده (هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس بحجة عند من يقول بخبر الواحد، فكيف بمن لايقول به) . وقال ابن الوزير في (العواصم والقواصم): إياك أن تغتر بزيادة (كلها في النار إلا واحدة) فإنها زيادة فاسدة. وقد رجح الإمام الشاطبي في المصدر السابق أن الفرقة الناجية هي السواد الأعظم من أهل الإسلام وحسبنا دليلا على ذلك الأحاديث الصحيحة المشتهرة ومنها ما رواه البخاري عن أنس: قال : قال رسول الله(ص) من صلى صلاتنا وأسلم، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ذمة الله ورسوله ، فلا تـُخفروا الله في ذمته. كما أنه لا يخفى على طالب علم أن الاستدلال بقوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف: 106) بالحكم بها على المسلمين علىتجاوزات وجهلات يرتكبها بعض العامة، استذلال ظاهر الضلال والبطلان لأنها كما قال أبو جرير وجمهور المفسرين نزلت بحق كفار مكة وهي تفسير لقوله تعالى عنهم (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) (الأنعام). وإما في أهل الكتاب الذين قالوا: عزير ابن الله وعيسى ابن الله ماكان لمسلم أن يعتقد في مثل هذه المقولة في رسول الله أو أحد من أولياء الله. القضية الثالثة: عدم التفريق بين سنن العادات وسنن العبادات مما لا خلاف فيه أن التأسي والاقتداء بسنة رسول الله(ص) والحرص عليها والتمسك بها قربة عظيمة، وعبادة مأجورة فمن علامة محبته (ص) التمسك بسنته إذ أن طاعته (ص) من طاعة الله. فمن يدعي حبَّ النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهـــــراءُ فالحب أوَّلُ شرطه وفروضــــه إن كان صدقاً طاعةٌ ووفاءُ وللرسول الأكرم صفاتٌ خلقية (ميزه الله بها على سائر البشر) وصفات خلفية: تتعلق بسلوكه وأخلاقه ومعاملاته. وجانب التأسي والاقتداء بهذه الصفات إنما يكون في النوع الثاني المتعلق بالسلوك والأخلاق كما أن رسول الله(ص) صدرت عنه أفعال تعبّديّة وأفعال (عاداتية) ومن ثم فإن الاقتداء والتأسي المسنون يكون في أفعاله التعبدية، فمن شروط صحة العبادة بعد الإخلاص لله تعالى أن تكون موافقة ومطابقة لعمل رسول الله(ص) من صلاة، وصيام، وحج، وغيرها من العبادات والقربات أما ما صدر عنه(ص) بحكم العادة مثل صفة، ملبسه، ومأكله، ومشربه، ومنامه، ومشيه ، فلا مجال فيع للتعبد والاقتداء إليهم إلا فيما صدر عنه من أمر توجيهي يتعلق بآداب قضاء الحاجة وآداب النوم، والطعام والاستئذان فيوجر المسلم على تطبيق هذه الآداب ولا يأثم على تركها. ومن هذه العادات صفة مركبه (الجمال – والخيل – والبغال – والحمير) وملبسة (الازار – الرداء - العمامة – القلنسوة – العباءة) ومأكله عجن دقيق الشعير بلا نخل ، وما أجتمع على مائدته صنفان من طعام يومين متتاليين، ولقد كان يمر على أهل بيته الهلال ثم الهلال، ثم الهلال فما يوقد في بيته نار لطعام، فقد كان مع أهله يعيشون جل أيامهم على الأسودين (التمر – والماء)، وكان يأكل على الأرض وينام على حصير من سعف النخيل فهل من المعقول أن نفرض على المسلمين الالتزام والاقتداء برسول الله(ص) في هذه السنن ونستشهد بقوله(ص). كل الناس يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى. إنه (صلى الله عليه وآله): فعل ذلك عادة لا عبادة، ولم يأمر سنته بلزومها والتقرب إلى الله بفعلها. إن أول بدعة دخلت بيت رسول الله(ص) هي المنخل، كما أفادت السنة الصحيحة فقد كان أكله وأكل أصحابه الشعير غير منخول: ويصفون ذلك كما قال سهل بن سعد، ما رأى النبي منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه، كنا نطعن الشعير وننفخه فما طار من قشره طار وما بقي عجناه فأكلناه. أما عن صفة مسكنه فإن مساحة حجر نسائه التسع لا تبلغ مساحة صالون واحد من صالونات بيوتات الكثير من المسلمين، فضلا عن أنها كانت مبنية بالطوب اللبن. فهل تظل أسرة مسلمة دائمة الحياة الزوجية إذا طالبنا النساء بالتمسك بهذه السنة النبوية تشبها بحياة سيد الزاهدين وإمام الشاكرين. وإن تعجب فإن عجبك سيكون بالغا: عندما ترى بعض البسطاء من السزج والبلهاء من يبالغ في إظهار بعض سنن العادات فيما يهمل الكثير من سنن العبادات وتكون الطامة الكبرى في الجهل وعدم التفريق بين أحكام العبادة وأفعال العادة فيقع الخلط والغلط، والوسوسة بالهلوسة. فهذا يبالغ في تقصير ثوبه إلى منتصف ساقه، بينما يطيل لسانه ويستعمله سيفا بتارا ومدفعاً رشاشاً يستطيل به علىعباد الله الأحياء منهم والأموات وهذا يوفر لحية تملأ ما بين منكبيه وهو مأجور على هذه السنة وإنما العيب إذا كبرت لحيته وصغر عقله، إذا اتسعت مساحة لحيته وضاق صدره وانزوت أخلاقه. وهذا يقوم باستعمال السواك أثناء سير في الشارع ولا يتورع أن يبصق على الطريق الذي جعل الإسلام نظافته مشعبة من شعب الإيمان. وهذا الذي هداه الله فعرف طريق الطاعة، فرسم على جبينه خطوطا تعين على التجهم والحدة، فلا تراه إلا عبوسا قمطريرا، إذا دخل على أهله أعلنت حالة الطوارئ القصوى، إذا تكلم زفر، وإذا نصح نفر، وإذا خاصم كفر وعلى حَـدّ قول القائل: هي اللحى الـمُسنَّةِ إمامَ أهــــــلِ السنَّةِ وقضبة الوجه في صَحْبٍ وفي ولدِ ما أبعدَ الفــــــــرقَ بين الدين والنكــــــــــدِ والدين ليس مظاهراً وطقوساً فاسعــــــــد وأسعــــــــــد لا تكــن منحوساً لو أن كلَّ السنَّة لكان راسبوتيــــن ظنوا التدُّين تكشيراً وعكننة الدين مسحة بشر واغتــــــــنـام مـــــــودة الدين ليس تجهماً وعبوساً الــــــــــدين إيمانٌ وفيــــــــــضُ سماحــــةٍ ومما لاشك فيه أن إعفاء اللحية سنة مؤكدة بلغت درجة الوجوب لورود الأمر النبوي في ذلك: أما عن حكم حلقها فقد وردت ثلاثة أقوال: 1ـ التحريم: وهو قول الإمام ابن تيمية وجمهور الفقهاء؛ 2- الكراهية: وهو ما ذكره صاحب (الفتح) عن عياض؛ 3- الإباحة: وهو قول بعض علماء العصر، وهو غير سديد ولكن الأمر لا يبلغ درجة التكفير أو التفسيق، لأن الأمر لم يبلغ درجة الوجوب عند بعضهم، بدليل أن هناك أمرا نبوياً آخر بصبغ الشيب (مخالفة لليهود والنصارى) وبعض الصحابة لم يصبغوا، فدل على أن الأمر للاستحباب ، فتدبر. ومما يسيء إلى السنة المطهرة المبالغة في (الدروشة والبهدلة) والتزهد المذموم بلا ضوابط مما تمجه النفوس والأذواق. وقد ظن (معتقل العقل) إن إحياء السنة في شعر منكوش منفوش كأنه شجرة أم الغيلان، ولحية خاصم بعضها بعضاً فتفرقت شيعاً وخصلا وأحزابا، وثوب خلق رَث عليه من غبار ودخان الحرب العالمية الثانية مازال عالقاً، ونعلين قد يمين باليين، بدت عظامها من الضنى والهزال. ويزداد عجبك، عندما تراه وقد اسرف في الطعام وأكل الثريد فبدت بطنه وكبر كرشه (وكأنه حائط كتب عليها أيها المزنوق طَرْطَرْ). أصابعه زلق، وعظمه ورق، وإبطه عرق، وثيابه خرق، إن تكلم زعق، وإن صمت انغلق، وإن نادى نعق، وإن تمشى انزلق، وإن تمطى انفتق، وإن تجشى اندلق، وإن تعش شرق، وإن تبخرا احترق، وإن تثاءب شهق، وإن عبس برق، ويُصيبك بالغثيان وربما بشلل الأطفال عندما يعلل لك ذلك قائلا قال رسول الله(ص): البزازة من الإيمان وقد فهم البزازة على أنها (الوساخة) ولكن معنى البزازة: البساطة والتواضع وعدم التكلف. لقد أباح الإسلام للمسلم التمتع بكل حلال طيب في غير إسراف ولا مخيلة، وأن يكون حسن الهيئة، جميل الهيئة، مرجل الشعر ، أنيق الهندام وحث على نظافة الثياب، ونظافة الأبدان، ونظافة البيوت ونظافة الشوارع والطرقات واعتبر النظافة شعبة من شعب الإيمان، فأين أولئك من هدى الرسول الأكرم (ص) الذي قال: تنظفوا فإن الإسلام نظيف (ابن حبان). النظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة (الطبراني). ولما دخل رجل ذات يوم مجلس رسول الله(ص) وكان ثائر الرأس واللحية فأشار إليه الرسول كأنه يأمره بإصلاح شعره، ففعل، ثم رجع فقال رسول الله(ص) أليس هذا خيرا من يأتي أحد. أحدكم ثائر الراس كأنه شيطان (أخرجه مالك في الموطأ) ورأى رسول الله(ص) رجلا أشعث الرأس فقال: أما وجد هذا ما يُسكن به شعره؟ ورأى آخر عليه ثياب (رثة - وسخة) فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه (أبو داود) وقال لآخر وقد لبس ثوباً بالياً: بعد أن سأله عن حاله وقد أعطاه الله قال: فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته (النسائي).