القضية الرابعة: إهمال المعنى الروحي للنصوص والتمسك بظاهر حرفيتها من الطاعة الكبرى ما ابتليت به بعض العقول المتحجرة التي تتمسك بظواهر النصوص وتتعصب للمعنى الحرفي وتتغافل مع المعنى الكامن في هذه النصوص أو إهمال الجانب الروحي المراد منها. ومن الأمثلة التي تظهر معنى ظاهر النص وروح النص ما حدث في زمن رسول الله(ص) بعد أ ن كشف الله تعالى خيانة اليهود ونقضهم للعهود والمواثيق وتآمرهم على المسلمين في غزوة الأحزاب، وبعد أن فرج الله الكرب ورد الله الذين كفروا بغيظهم وكفى الله المؤمنين القتال فقال مستنهضاً أصحابه على الإسراع بالمسير: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، فمن الصحابة من تقيد بالنص فأخر الصلاة ولم يؤدها إلى في بني قريظة ومنهم من فقه روح النص وعلم أن المراد التعجيل والإسراع فصلى العصر في وقتها ثم سارع بالمسير حتى وصل إلى بني قريظة. ومن هذا القبيل ما ذكرناه آنفا من أمثلة تؤكد أن التمسك بظاهر النص يلغي روح الشريعة ويقضي على حكمها ومقاصدها. وقد أوضحنا أيضا أن إصرار بعض المسلمين على إخراج زكاة الفطر (حبا من قمح أو أرز أو شعير) تمسكا بعمل رسول الله(ص) يتنافى مع الهدف والغاية التي من أجلها شرعت صدقة الفطر وإن المراد (اغناؤهم من مذلة السؤال والحاجة يوم العيد فماذا يصنع الفقير إذا ملأت بيته قمحاً يوم العيد، وكيف يتمكن من إدخال السرور على أبناءه ليشاركوا أبناء الإنياء فرحتهم بملابس جديدة، ويفرحون ويمرحون ويأكلون من أطعمة يوم العيد أسوة ببقية الأطفال. ومن ذلك لو أن المسلمين تطبيقا للآية القرآنية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (الانفال) فقاموا بأعداد الآلاف المؤلفة من الخيل العربية الجياد للمرابطة على حدود الدولة العبيرية المغتصبة، فهل تجدى كل هذه المرابط أمام طائرة واحدة من طراز (أباتشي) التي بمقدورها أن تبيد كل هذه المرابط في دقائق معدودات. ومن الألة التي تؤكد على أن التمسك بظواهر النصوص فهم سقيم، وخطر جسيم يترتب عليه تجريد الشريعة الإسلامية من مقاصدها وتفريغها من روح حياتها ومعانيها وابتعاد عن جادة الحق والصواب. (1)- الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب (الزراعة) عن أبي أمامة الباهلي، حين نظر إلى آلة حرث (محراث) فقال: سمعت رسول الله(ص) يقول: لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل. فظاهر هذا الحديث يفيد كراهية الرسول(ص) للحرث والزراعة وأنها تفضي إلى إلحاق الذل بالعاملين فيها، وقد حاول أعداء الإسلام استغلال هذا الحديث في تشويه موقف الإسلام من الأعمال الزراعية. وهذا الفهم الظاهر للحديث يتعارض مع عشرات الأحاديث الصحيحة التي تحض على إحياء موات الأرض وفضل زراعتها. ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما عن رسول الله(ص) قال: ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة. وقد أكد العلماء على: أن الزراعة هي أفضل المكاسب، للحديث إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (شتلة نخل) فإن استطاع ألا تقوم (الساعة) حتى يغرسها فليغرسها: (حديث صحيح) إذن ما المراد بهذا الحديث. لقد نص الحافظ في (الفتح) أن النهي في الحديث: تحذير للأمة من الانشغال بالزراعة: وترك الجهاد وإهمال الفروسية والاستعداد والإعداد للدفاع عن حرمات الامة الإسلامية. بدليل الحديث الصحيح: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. (2) الحديث الذي يحرم على النساء زيارة المقابر. عن أبي هريرة أن رسول الله(ص) قال: لعن الله زوّارات القبور فهذا الحديث يتعارض مع الأحاديث الصحيحة التي تجوز للنساء زيارة المقابر وفيها قوله(ص) : كنتُ نهيتكم عن زيارة المقابر فزوروها . وقوله: زوروا القبور فإنها تذكر الموت. فيدخل الرجال مع النساء في هذا الإذن العام بالزيارة. ومع الحديث الذي رواه الشيخان عن أنس: أن النبي(ص) مرَّ بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، ولم تعرفه أنه رسول الله.. الحديث. فأنكر عليها الجزع ولم ينكر عليها الزيارة. ومنها ما أخرجه الحاكم أن السيدة فاطمة بنت رسول الله(ص) كانت تزور قبر عمها (حمزة) كل جمعة فتصلي وتبكي عنده (نيل الأوطار 4/166 ومن ثم فقد جمع العلماء بين هذا الأحاديث، فقال القرطبي أن اللعن ينال (النساء المكثرات) من الزيارة لما تقتضيه صيغة المبالغة (زوّارات)، ولما في ذلك من تضييع حقوق الأزواج، وكذلك التبرج والنياح والعيول. فإن أمن ذلك فلا مانع وقال الشوكاني: وهذا الكلام هو المعتمد والصحيح (نيل الأوطار) 4/166. (3) الحديث الذي يحرم الإسبال: أي إطالة الثوب لما تحت الكعبين قوله(ص): ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار (البخاري اللباس) وقوله(ص): ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار (النسائي) ظاهر الحديث: أن ماكان دون الكعبين من قدم صاحب الإزار او الثوب (المسبل) فهو في النار عقوبة له ولكن ماذا عن بقية الجسد؟ قالوا: لقد كني بالثوب عن بدن لابسه. ولكن الذي يقرأ ويتتبع جملة الأحاديث الواردة في هذا الموضوع يتبين له ما رجحه النووي وابن حجر وغيرهما: أ ن هذا الإطلاق محمول على ماورد من قيد(الخيلاء) فمن قصد بإطالة ثوبه (الكبر والخيلاء) فهو المقصود بالوعيد، (أنظر فتح الباري 10/257). وقد عنون لذلك البخاري (باب من جرَّ إزاره من غير خيلاء) فروى الحديث: من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة قال: أبو بكر يا رسول الله: أن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي(ص) لست ممن يصنعه خيلاء وقد علل بعض المتشددين ذلك بأن أبا بكر كان نحيف البنية لذلك كان إزاره يسترخي ، وهو تعليل سقيم، لأن الرسول(ص) عذره لعدم قصد الخيلاء وليس لوضعه الجسماني. ويؤيد هذا المعنى أحاديث أخرى توضح وتفسر. منها: قوله(ص)بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه.. إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل إلى يوم القيامة (فتح الباري / الحديث 5789). والحديث: لا ينظر الله إلى من جرَّ ثوبه بطرا (فتح الباري/ 5788)، والحديث: بينما رَجلٌ يجرُّ إزاره إذ خُسِفَ به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة. ]فتح الباري/ 5790[. وما رواه مسلم عن إبن عمر: سمعت رسول الله(ص) بأذني هاتين يقول: من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخلية، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة (مسلم ج 4 ص 795). ولعلنا نكون قد فطنا إلى روح المعنى للحديث الذي ينهى عن الإسبال بأن المراد توجيهه العناية إلى النيات والمعاني القلبية التي تكون وراء السلوك الظاهري: فينهى الشارع عن الخيلاء، والعجب والكبر فلا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وثمة معنى آخر، كما ذكر العلامة الدكتور القرضاوي في كيف نتعامل مع السنة: إن أمر اللباس يخضع في كيفيته وصورته إلى أعراف الناس وعاداتهم التي تختلف باختلاف (المناخ)، الحر والبرد، الغنى والفقر، وصرح البخاري في أول كتاب اللباس: باب قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) (الأعراف: 32). وقال النبي(ص): كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة: وإذا كان بعض البلاد الأفريقية يلبسون الثياب ويفضلون اللون الأبيض مثل السودان أو البلاد التي يلبس أهلها (القمص والسراويل مثل الهند وباكستان فهذه الثياب بحكم العادة لا العبادة). (4) الحديث الذي يحرم الهجرة والإقامة في البلاد غير الإسلامية، وبه نؤثم ونجرم الملايين من المسلمين المقيمين في ديار الاغتراب مثل أمريكا وأستراليا وسائر البلاد الأوروبية، ونحكم عليهم جهلا بالمعصية ومخالفة السنة النبوية. والحديث قوله(ص): أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تتراءى نارهما. (رواه داود 1645) (والترمذي 1604) أولا هذا الحديث مرسل والاحتجاج بالمرسل فيه الخلاف المشهور عند علماء الأصول ولفظ الحديث في النسائي بعث: رسول الله(ص) سرية خثعم، فاعتصم ناس منهم السجود فاسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي (ص)، فأمر لهم بنصف العقل (أي الدية) وقال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يارسول الله ، لِمَ؟ قال: لا تتراءى نارهما). فجعل لهم نصف الدية وهم مسلمون. لأنهم أعانوا على أنفسهم، وأسقطوا نصف حقهم لإقامتهم بين المشركين المحاربين لله ولرسوله(ص) ، وشدد في مثل هذه الإقامة التي يترتب عليها مثل ذلك القعود عن نصر الله ورسوله، والله تعالى يقول في أمثال هؤلاء: (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) (الأنفال: 72). فنفى تعالى ولاية المسلمين غري المهاجرين إذا كانت الهجرة واجبة، فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) أي بريء من دمه إذا قتل، لأنه عرض نفسه لذلك بإقامته بين هؤلاء المحاربين لدولة الإسلام. ومعنى هذا: أنه إذا تغيرت الظروف التي قيل فيها النص، وانتفت العلة الملحوظة من ورائه من مصلحة تجلب، أو مفسدة تدفع، فالمفهوم أن ينتفى الحكم الذي ثبت من قبل بهذا النص، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما. (5) الحديث الذي رواه الصحيحان مرفوعا: عن بن عمر وغيره: لا تسافر امرأة إلا ومعها محرم (اللؤلؤ والمرجان / حديث 8500). فالعلة وراء هذا النهي: هو الخوف علىالمرأة من سفرها وحدها بلا زوج أو محرم في زمن كان السفر فيه على الجمال أو الحمير: وتجتاز فيه غالبا الصحارى والسهول والوديان وربما تكون أماكن خالية من العمران والسكان مما يعرضها للمخاطر وقطاع الطرق. أما وقد تغيرت الوسائل واختلف الحال، وأصبح السفر في الطائرات والقطارات وفيها من وسائل الأمان والحماية ما فيها، كما أن محارمها يودعونها حال سفرها وتنتظر من المحارم ما يستقبلونها في المطار، فلا خوف عليها حنيئذ، ولا يعدُّ سفرها سفر معصية إذا آمنت المشقة والمخاطر. ويؤيد هذا المعنى الصحيح الذي أخرجه البخاري: من حديث عدي بن حاتم يوشك أن تخرج الظعينة (المرأة الوحيدة) من الحيرة حتى تقدم البيت (أي الكعبة) لا زوج معها .. الحديث. ولا غرو إن وجدنا بعض الأئمة المجتهدين أن يجوز للمرأة أن تحج بلا محرم إذا كانت مع نسوة ثقات، أو في رفقة (مجموعة) مأمومة، ولقد حجت السيدة عائشة وطائفة من أمهات المؤمنين في عهد عمر، ولم يكن معهن أحد من المحارم بل صحبهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنهم)، كما في صحيح البخاري وقال بعض الفقهاء تكفي للصحبة امرأتان، وبعضهم: تكفي امرأة واحدة وقال بعضهم: إذا كان الطريق آمنا وصححه صاحب المهذب من الشافعية وعممه بعض الشافعية في الأسفار كلها. (6) ومنها الحديث النبوي: البر بالبر كيلا بكيل مثلا بمثل، وكذلك الشعير والتمر والملح أما الذهب والفضة فقال فيهما (وزنا بوزن). الإمام أبو حنيفة: أن كل شيء نص رسول الله(ص) على تحريم التفاضل فيه كيلا فهو مكيل الى يوم القيامة، وخالفه أبو يوسف أن هذا بني على العرف فإن تغير الحال فلا مانع أن يباع المكيل وزنا. ولا يقاس هذا على معاملاتنا العصرية، فنقول: بحرمة الزيادة بين سيارة مرسيدس، وأخرى من نفس الموديل إذ ربما يفرض حال أحدهما زيادة في الثمن. (7) ومنها الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص) : إذا أكل أحدكم طعاما فلا يسمح أصابعه حتى يلعقها (اللؤلؤ والمرجان) وما رواه مسلم عن كعب بــن مالك، قال رأيت رسول الله(ص) يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها. (مسلم 2032) وبالنظر إلىظاهر الأحاديث فقط يفهم منها: *إن السنة استعمال ثلاث أصابع فقط أثناء الاكل؛ *ولعقها ولعق القصعة بعد الأكل أو مسح الإناء بعد الأكل؛ *إن هذا الفهم قد يقضي إلى تبديع من يستعمل الملعقة أو السكين. ولكن الحق أن روح السنة المستفاد من الأحاديث: هي إظهار التواضع والتقدير لنعمة الطعام، إنها تربية أخلاقية لاحترام النعمة والترفع على الإسراف والتبذير والتكبر. ورب مسلم يأكل على الأرض ويستعمل أصابعه الثلاث ويلعقها، ولكنه بعيد عن خلق التواضع وشكر النعمة. ومن جهة أخرى فإن عادة استعمال الأصابعة الثلاث فقط تصلح لنوع خاص من الطعام، ولكن طعاما (كالحساء – الشوربة) لايمكن تناوله إلا بالملعقة، وتناول السمك مثلا لا يمكن أكله وتنقية أشواكه إلا باستعمال اليدين الأثنتين. نعم من آداب السنة في الطعام أن يأكل المسلم بيمينه وأن يبدأ بالتسمية (بسم الله الرحمن الرحيم) للتبارك بها، وللنظافة والنظام الذي يحث عليهما الإسلام، إذ ليس من النظافة أن يستعمل المسلم اليد اليسرى التي يستعملها في قضاء الحاجة أن يحمل بها الطعام ليضعه في فيه. ومن العادات التي يقع فيها الافراط والغلوُّ في إدراجها في أحكام العبادات ومن ذلك الحديث الذي رواه (أبو داود) عن وحشي بن حرب أن الصحابة قالوا يا رسول الله: إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه. فظاهره إفادة النهي عن الأكل في أطباق متفرقة: وهذا يتعارض مع قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً) (النور: 61) ولكن روح الحديث دعوة إلىالألفة والحث على الجود واستضافة الفقراء، والقول بأن استعمال السكين في الأكل حرام لا أصل له. والحديث القائل: لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم وانهشوه نهشا فإنه أهناً وامرأ: حديث باطل مرفوض فقد ثبت في الصحاح أن رسول الله(ص) كان يستخدم السكين في تقطيع اللحم أثناء أكله. إن النبي(ص) كان مخشونا في حياته، ومع ذلك لم يحرم حلالا ولم يضيق واسعا، كيف والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله). (البقرة: 172). سخافات هزلية مصدرها الفهم السقيم والتنطع في الدين 1 ـ مايقول بعضهم: لو أن رجلا وهب بيته أو قطعة أرض فاتخذت مسجدا. فلا أجر له؛ لأن الحديث يقول: (من بنى لله مسجدا) لا من (وهب، أو جعل بيته مسجدا) نسأل الله أن يشفيه من هذا العقل السقيم. 2- لو أن رجلا بال في إناء ثم سكب هذا البول في (بركة ماء أو ماء راكد) فلا يأثم. لأن النبي(ص) نهى عن البول في الماء الراكد. 3- وبعضهم يتنطع قائلاً: لو أن رجلا استأذن ابنته البكر عند زواجها من شخص فقالت: قبلتُ ورضيتُ أو أطلقت (زغروتة) تعبيراً عن سرورها. فإن هذا الزواج يصبح باطلا. لأن الحديث يقول: إذن البكر (سكوتها) وهذه تكلمت فماذا نصنع في زمن خلعت فيه الفتيات المتحضرات برقع الحياء. ولو أستأذنها والدها عند عقد قرانها. لأجابته بقصيدة شعرية غرامية تعلن فيها عن موافقتها وقبولها. فهل نوقف هذا الزواج ونحكم عليه بالبطلان؟ سبحانك ربنا هذا تخريف كبير. 4- ومن ذلك مايجعل المرء يضحك ملء شدقيه أسفا وحزناً من هؤلاء الذين يشعلون نارا حامية لا هوادة فيها. وربما كانت سببا في قيام الحرب العالمية الثالثة من أجل الخلاف على مثل مكان وضع السواك: أهُوَ على الأذن؟ أم في الفم؟ أم يُغرس في كور العمامة؟ أم يحمل في الجيب ولو سئلت شخصياً من أحدهم عن هذا لأجبته. ضعه في إحدى عينيك. *ـ وهل يقال للميت: المرحوم فلان، أم فلان رَحِمَهُ الله؟ *ـ وهل تجفيف اليد بعد الغسل قبل الأكل جائز أم حرام؟ *ـ وهل يجوز غسل اليد بعد الأكل أم يكفي لعقها أو مسحها في باطن القدم؟ *ـ وهل يجوز للمسلم أن يشرب واقفاً أم يحرم ذلك؟ إلى أخر هذه التراهات والسفاسف التي يتنزه عن الخوض فيها زنوج المجاهل والغابات. 5 – ومن ذلك أن شاباً أصيب بهذه العدوى: تقدم لخطبة فتاة. وأثناء اجتماع العائلتين للتشاور والاتفاق. قال والد الفتاة: على بركة الله (الفاتحة) فما كان من أمر الشاب إلا أن أعلن رفضه واستنكاره؛ لأن ذلك بدعة وكل بدعة ضلالة واحتدم الخلاف وطال الجدال وانتهى الأمر بفشل وإلغاء صفقة هذا الزواج. 6- إفتاءبعض الجماعات بشذوذها وتعلقها بكل غريب: أـ يحرم شراء السمك والدجاج وسائر الحيوانات حيةً وزناً (أي بواسطة الوزن) قبل تنظيف وإخراج مافيه. لما يترتب على ذلك من شراء الدم والنجاسات المحرمة. وهذه الأشياء تشترى تقويماً لا وزنا. ربما كانت هذه الفتاوى في عصر قديم قضاها العرف تجنبا للغش فماذا يفعل المسلم في هذه الأيام؟ إن بعضهم يذهب إلى السوق لشراء السمك أو الدجاج. فيختار مايشاء ثم يقول للبائع كم ثمنها؟ فيقول البائع بوزنها لتحديد سعرها، فإن قال له هذه وزنها كذا. قال له: لا تخبرني عن وزنها واخبرني عن ثمنها فقط؟ ثم يدفع الثمن وينصرف. وكأن الحفظة الكرام الكاتبين لم يروا أن الصفقة قد تمَّت وزنا لا تقويما. وأن السمك أو الدجاج مازال يحمل في بطنه ما يحرم شراؤه عندهم. ب – حرمة شراء النجاسات مثل الكحول وللتحايل هروباً من الوقوع في الحرام يقول شيخهم إن اضطررت إلى شراء زجاجة (قنينة) من الكحول (السبيرتو أو اليازول) لتنظيف الجروح وغيرها. فاذهب إلى الصيدلية وقل له: بعني هذه (القنينة) دون أن تذكر ما فيها ثم ادفع ثمنها وانصرف. فلا إثم عليك ([2]). ويحكى أن صيدلياً أراد أن يسخر من سخافة عقولهم. فلما أتاه بعضهم وقال له: بعني هذه (القنينة) فقام الصيدلي فافرغ مافيها ثم قدمها له فارغة من السال المطلوب. فلما أبصراه وهزَّها وجدها فارغة؟ فما كان من أمر المسكين إلا أن هَزَّ رأسه محوقلاً، وانصرف حائرا، يشكو إلى نفسه سخافة عقله. ج – قولهم: يحرم شراء عسل النحل من (منحل) لا يملك صاحبها بستاناً أو مزرعة توفر الغذاء للنحل. مما يضطره إلى الذهاب إلى مزارع مملوكة للغير. يمتص رحيق أزهارها بغير إذن أصحابها. وهذا سرقة وحرام. وما تولَّد من الحرام حرام. ونسي أولئك أن النحل يحمل ترخيصا من الله بامتصاص الرحيق من كافة المزارع والأزهار والأشجار: (وأوحى ربك على النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثَّمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) ([3]). د- ومنها ما استمعت إليه من شريط (كاسيت) مسجل لدرس من دروس شيخهم هدانا الله جميعا لما يحب ويرضى. وهو يجيب على أسئلة تلاميذه ومريديه. *- السائل: يا شيخنا كنت أسري في الطريق فرأيت شخصا، فهممت بالسلام عليه فلما قلت (السـ...) أمعنت النظر في وجهه فإذا هو شخص من الجماعة إياهم – فوضح أحد الحضور ساخرا يعني إخونجي – من الجماعة الإسلامية في لبنان فلم أكمل السلام. *- فأجابه الشيخ بقوله: لا تـكفر: (ويفهم من هذا أنه يكفر لو أكمل تحية السلام على واحد من المنتمين للجماعة الإسلامية). *- ومنها فتواه أيضا: بعدم وجوب الزكاة في العملة الورقية. لأن الزكاة تجب في النقدين الذهب والفضة. أما الدولارات والدينارات والجنيهات والليرات وسائر العملات الورقية فلا زكاة فيها. (وفي ذلك تعطيل لركن من أركان الإسلام وهو الزكاة)([4]). *- ومنها: جواز خروج المرأة متزينة متعطرة بادية زينتها أمام الناظرين لأن المدار على نيتها([5]). *- ومنها: أنها يجوز لها ماسبق إن كانت تريد أن تفرح بشبابها([6]). وفي مقابل هذا التفريط نجد جماعة الإفراط والغلو والتشدد. وفي مجتمع مثل أستراليا يموج بالخمور بالسفور والمخدرات والمسكرات والمصائب التي تسوق الشباب إلى حافة الهاوية. نسمع أن هؤلاء يقولون: أن وضع جوزة الطيب في البهارات والمأكولات حرام. ويروج لهذه الفتوى بعض النسوة ويتناقلنها من بيت إلى بيت. هـ - فتوى شيخهم الشهيرة: بأن الصوم لا يفسد بجماع (الخنثى) الذي لا يوصف بذكورة ولا أنوثة. الله أكبر.. كم تساوي هذه الفتوى؟ وكم تدفع فيها مؤسسات (الشواذ) في بلاد الغرب حيث يكثر وجود مثل هذه الأنواع ممن تخلَّوا عن ذكورتهم أو أنوثتهم؟؟! 7- ومن هذا القبيل من المهازل الممسوخة البالغة في التنطع مبلغا دونه أساطير بلاد (واق الواق). *- إفتاء بعضهم بتحريم إدخال الرجل على أهل بيته (الخيار، والكوسة، والموز، والباذنجان) إلا بعد تقطيعها خارج المنزل حفاظاً على أخلاق ومشاعر النساء والبنات. سداً للذرائع ودفعا لوساوس الشيطان خشية التفكير في الأمور الجنسية. وهناك ماهو أدهى وأمر مما نعف عن كتابته في هذا الكتاب. *- وأصدار فتوى تـُحرم على المرأة قيادة السيارة. في بعض المجتمعات الإسلامية باعثها العرف لا الدين. فربما أعوزت المرأة الضرورة لركوب (تاكسي) سيارة أجرة مع رجل أجنبي وإن كنا حريصين على التمسك بمذهب سلفنا الصالح. فهل حـُرم على المرأة أن تقود وسيلة المواصلات المعروفة في ذلك العصر (الخيل والبغال والجمال والحمير) وإذا كان هذا دينا. فهل يعم هذا الحكم المرأة في سائر الأقطار والأمصار؟ وإن كان كذلك فما هو الدليل؟ وإن كان هذا الحكم مصدره (العرف، أو الابتداع الحسن لسد الذرائع) فلم نُنكر هذا المصدر في بقية المسائل الفرعية إذا استعمله غيرنا؟ هذه مجرد تساؤلات نطرحها على علمائنا الأفاضل. مع فائق الإجلال والاحترام. 8- ومن ذلك أيضا: الجمود والتحجر الذي لا يحقق الفائدة والحكمة الموجودة لصدقة الفطر. ولا تخدم مصلحة الفقير. بالإصرار على وجوب إخراجها من الحبوب والتمر.. الخ إتباعا للسنة النبوية التي كانت تحقق الغاية والحكمة في زمان رسول الله(ص) وأن إخراج قيمتها لا يجزئ حيث يتعذر ذلك ويشق على أغلب المسلمين في البلاد الإسلامية وعلى مسلمي الاغتراب في الديار المهجرية. وتطبيقاً للسنة يخرج المسلمون إلى السوق فجر يوم العيد وقبل حلول وقت صلاة العيد. لشراء الطعام (أرز، وحبوب) ويقوم المتصدق بدفعها إلى الفقير الذي يقوم ببيعها ثانية إلى التاجر بثمن أقل مما دفع فيها. حيث يكون الخاسر في هذه الدورة التحايلية هو الفقير الذي لم يقبض في النهاية إلا الثمن والقيمة الذي حاولنا الهروب منه. قضية تحريم لبس السروال على المرأة المسلمة ومن المسائل التي يثيرها الغلاة بين النساء المسلمات تحريم لبس (البنطال أو السروال تحت العباءة) وأن هذا من الترجل والتشبه الذي يحرم على المرأة المسلمة. وجواباً على هذه الشبهة نقول: إن ارتداء (السروال أو البنطال) تحت الثوب الشرعي المستوفي للمواصفات الإسلامية أدعى وأكمل لستر القناة المسلمة وبخاصة طالبات المدارس وهو عَونٌ على السترة والاحتشام. والدليل على ذلك: 1ـ مارواه البيهقي في الأدب، وابن عدي في الكامل بسنده. أن رسول الله (ص) قال (اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم وحصِّنوا بها نساءكم إذا خرجن). ولقد تعقب ابن حجر كلام الجوزي الذي قال بوضعه بقوله بأن البزار، والدار قطني، والحامولي رووه من طريق آخر فأقل مايقال فيه أنه ضعيف. والضعيف يمكن الاستشهاد به في فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق. قال المناوي: سببه: عن علي (رضي الله عنه وكرم وجهه) قال: كنت عند النبي(ص) بالبقيع في يوم (دجن) فيه مطر وغيوم. فمرت امرأة على حمار. فسقطت فأعرض عنها. فقالوا: إنها متسرولة . فقال الرسول(ص) هذا الحديث السابق. 2- أخرج الدار قطني، والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أپي هريرة أن (ص) قال: (رحم الله المتسرولات من النساء). القضية الخامسة: بين الحقيقة والمجاز معلوم أن للمجاز نصيباً موفوراً في اللغة العربية، والمجاز في اللغة نوع من الإعجاز ولون من ألوان البلاغة في الكلام. عند مايرد في صورة استعارة، أو كناية، أو شاكلة، أومجاز مرسل، وغير ذلك م نفنون البلاغة. وقد يكون المجاز أحيانا أبلغ من الحقيقة. ولما كان القرآن الكريم منزلا بالعربية، ورسول الإسلام محمد(ص) أتاه الله جوامج الكلم وهو خير من نطق بالضاد من الفصحاء، فلا غرو أن يشتمل كتاب الله، وأحاديث رسول(ص) على هذا النوع من الإعجاز في المجاز. وإن كنا ممن يعتقد أننا نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من غير اعتقاد بتجسيم ولا تشبيه ولا تعطيل، وأن الكف عن الخوض في ذاته تعالى هو الأصح والاسلم. إلا أننا إن غفلنا وعطلنا ونفينا فهم المجاز اللغوي والعقلي عن الكتاب والسنة، وقعنا في كثير من الحرج وعدم القدرة على دفع بعض الشبهات لدى نوع خاص من الناس، قد تفرضها المواقف الجدلية. فَحَملُ الكلام على المجاز في بعض الأحيان يكون متعينا وإلا زلت القدم وسقط المرء في الغلط. حين قال الرسول (ص) لنسائه أمهات المؤمنين: اسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا، حملنه على طول اليد الحقيقي المعهود. قالت عائشة: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، فأخذن قصبة لقياس أي الأيدي أطول، مع أن الرسول لم يقصد ذلك. وإنما قصد طول اليد في المعروف وفعل الخير. ولقد صدق هذا الواقع عندما كانت أول نسائه السيدة: زينب بنت جحش، فقد كانت امرأة صناعا تعمل بيدها وتتصدق. (ملسم). وكما وقع في القرآن الكريم مثل رواية «عدي بن حاتم» عندما حدث له هذا النوع من الخطأ في الفهم بشأن آية الصيام (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) (البقرة: 187). روى البخاري عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ماكتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تبشاروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) (البقرة: 187). قال: عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي وجعلت أنظر إليها، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت عن الطعام. فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله(ص) فأخبرته بالذي صنعت فقال: إن وسادك إذن لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل. «ومعنى وسادك عريض: أنه كان سيسع المشرق والمغرب بهذا الفهم» ماهي الحقيقة إذا؟ الحقيقة:هي استعمال اللفظ فيما وضع له، وهذا تعريف علماء اللغة من البلاغيين وألفاظ اللغة العربية وضعت للمعاني الأرضية التي يفهمها البشر في حياتهم المادية، فإذا استعملت بعض الألفاظ في وصف الله تعالى، وأوهمت شبها أو مماثلة، فإن كافة المسلمين متفقون على تنزيه المولى تبارك وتعالى. ومن هذه الألفاظ المستعملة في القرآن الكريم (ثم استوى على العرش)، (وجاء ربك)، (وهو خادعهم)، (ويمكر الله)، (نسوا الله فنسيهم)و.. (ولتصنع على عيني) فالمعنى الأرضي البشري مستحيل. إن شيخ الإسلام «ابن تيمية» رحمه الله قد أنكر المجاز في القرآن والحديث واللغة بصفة عامة وأستعرض أدلة شتى يثبت بها رأيه. وغالب الظن أنه أراد أن يغلق الباب أمام أولئك الذين غلوا في التأويل فيما يتعلق بصفات الله تبارك وتعالى من المعطلة والنفاة، وأن يحيي ماكان عليه سلف الأمة، فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه ونفي عنه مانفاه. وإغلاق هذا الباب أمام صفات الله تعالى واجب، ولكن نفي المجاز عامة عن اللغة نوع من الغلو والتضييق لسعة لغة القرآن الكريم، وإن كان الإمام «ابن تيميه» يعرف (الحقيقة) تعريفا آخر خاصا به مخالفا لما أصطلح عليه البلاغيون، فيقول مامعناه: إن تأويل هذه الألفاظ تأويلا مجازيا، والجزم بأنه هوالمراد، مرفوض لأن المعاني المجازية هي أيضا معان بشرية وهي مظنونة، ولا يجوز أن نقول في ذات الله بالظن، وهذا توجه جيد فيما يتعلق بذات الله. مدى الحاجة إلى المجاز إن اللجوء إلى المجاز والحاجة إليه في دفع شبه المتوهمين أو المعاندين، ينبغي أن لا تتجاوز حاجة الطيب الحاذق الماهر الذي يلجأ إلى استعمال الأدوية الكيميائية لمقاومة وقتل الغدد السرطانية، التي يخشى على الإنسان من تكاثرها ونموها داخل الجسد، أو باستعمال المشرط في عملية استئصال جراحية لازمة لحياة الإنسان. فقد تنشأ شبهة سرطانية في بعض العقول التي لوثت بها الفكرة واتسخت الفطرة، وران على القلوب داء المادية فنستعمل المجاز بما يزيل هذه الشبهة، والضرورة بقدرها، ومن ذلك ما أوردته السنة النبوية. 1ـ الحديث القدسي المعروف: (إن تقرب عبدي إلىّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة). قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: إن هذا تمثيل وتشبيه وإنما أراد من أتاني مسرعا بالطاعة أتيته بالثواب أسرع من إتيانه، فكني عن ذلك بالمشي والهرولة. 2- مارواه الشيخان: قال رسول الله(ص): اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لي بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر واشد ما تجدون من الزمهرير. فينبغي حمله على المجاز والتصوير الفني الذي يصور شدة الحر والزمهرير، لأن جهنم تحتوي من ألوان العذاب أشد الحرارة وأشد الزمهرير، كمثال نار الدنيا (أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين). 3- حديث الرحم: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائد بك من القطيعة.. الحديث اختلف العلماء في شرحه، لكن القاضي عياضا حمل الحديث على المجاز، وكذا ابن أبي حجرة في شرح مختصر النجاري، والقرطبي في شرح الآية: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) وحمل مثل هذه الأحاديث على المجاز لا يضيق به الدين. 4- حديث الموت الذي رواه الشيخان: إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح. ثم ينادي مناد يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم. «وفي رواية يؤتى بالموت على هيئة كبش أملح». فكيف يذبح الموت وهو عرض وليس جسما؟ فانكرت طائفة صحة الحديث ودفعته. وتأولته طائفة. ولا ذبح هناك حقيقة. وقالت أخرى: بل الذبح حقيقة. وقال الحافظ في الفتح: لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجسادا يجعلها أجسادا لها كما يثبت في صحيح مسلم. إن سورتي البقرة وآل عمران تجيئان كأنهما غمامتان.. والأمر فيه سعة. 5- قولـه(ص) لرجل أراد أن يجاهد وقد ترك أمه وراءه في حاجة إلى من يرعاها: الزمها فإن الجنة تحت أقدامها. 6- حديث: اعملوا إن الجنة تحت ظلال السيوف (اللؤلؤ/ 1137). 7- حديث: العجوة من الجنة (صحيح الجامع الصغير/ 4126). 8- حديث سيحان وجيحان النيل والفرات كل من أنهار الجنة. 9- حديث: بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. 10- حديث: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس محار (النجار ومسلم). 11- حديث: قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن. ثم يقول: فوضح البرهان من القرآن ومن ضرورة الحس على أنها ليست على ظاهرها (المحلي، ج 7 ، ص 230. مسألة 919). هذا هو موقف «ابن حزم» المعروف بظاهريته وتمسكه بحرفية النصوص إلى حد الجمود. ومع هذا لم يسغ عنده أن تحمل هذه النصوص على ظواهرها، فإنما يظن ذلك أهل الجهل كما قال!! يذكر الإمام الغزالي في كتابه (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة): عندما أعلن ندمه ورجوعه عن علم الكلام، وثار عليه الجامدون والمعتصبون للموروثات الذهبية الجلدية ورموه بالكفر والزندقة لا لشيء إلا لأنه خالف الإمام الأشعري إمام طريقتهم فأشفق عليهم ورحم ماهم فيه من عصبية عمياء وألف كتابا، يرد فيه على شبههم وأوضح الطريق الأقوم والمنهج الأسلم لمحبيه والمشفقين عليه. وأسماه (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) وهوسفر عظيم المنافع والفوائد ويحتاج إليه كل داعية وعالم، حتى لا يفرط في ذم وتسفيه وتكفير الفرق الإسلامية بدون حجة أو دليل. ومما أورده في هذا الكتاب: وها هو ذا أبعد الناس عن التأويل الإمام أحمد بن حنبل. قال الثقاة من أئمة الحنابلة: إن الإمام أحمد صرح بالتأويل في مواضع قليلة جداً عدها بعضهم ثلاثة منها: 1ـ قول الرسول(ص) : الحجر الأسود يمين الله في الأرض. 2- قوله(ص): قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن. 3- حديث الرحم: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائد بك من القطيعة.. الحديث اختلف العلماء في شرحه، لكن القاضي عياضا حمل الحديث على المجاز، وكذا ابن أبي حجرة في شرح مختصر النجاري، والقرطبي في شرح الآية: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) وحمل مثل هذه الأحاديث على المجاز لا يضيق به الدين. ويشهد لصحة مانذهب إليه... أ)ماقاله ابن حزم: أن معنى كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة، وإن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة. كما تقول في اليوم الطيب هذا من أيام الجنة. وكما قيل في الضأن أنها من دواب الجنة. وكما قال(ص) إن الجنة تحت ظلال السيوف. وقال: الحجر الأسود من الجنة. فعندما استحال عنده قيام المعنى الظاهر تأول هذا الحديث فقال في تأويل الحجر الأسود.. الخ: لما كانت اليد تقبَّل في العادة تقرباً إلى أصحابها، فالحجر الأسود يقبل تقريباً إلى الله امتثالاً لأمره. وكذا لما قام عنده البرهان على استحالة وجود أصبعين لله تعالى داخل قلبه، وأنه بأية وسيلة من وسائل الإدراك لو فحص قلبه لايشعر بوجود أصبعين. تأول ذلك على الأمر العقلي الذي يلزم الأصابع وهو قدرتها على تقليب الأشياء من حال إلى حال، فالمعنى المراد أن القلوب تحت تصرف الله سبحانه يفعل بها مايشاء (وقد ذكر بعض اللعماء شرحاً وتأويلاً لهذا الحديث: وهو أن قلب المؤمن بين نعمتين من نعم الرحمن وهما نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، والله تعالى أعلم). ثم يقول: ولم يتوسع الإمام أحمد – رحمه الله – في التأويل لأنه لم يظهر عند استحالة الظاهر إلا في هذه المواضع التي أولها لأنه لم يكن ممن شغلوا أنفسهم بكثرة الإمعان في النظر العقلي. ومن هذا نعلم أن كل فريق من المسلمين وإن بالغ في المحافظة على الظاهر ونفر من التأويل قد يضطر مرغماً على التأويل ولكن في أضيق حدود، وعلى أن يكون ثمة داع علمي أو دعوي يجبره على ذلك. اختلاف لا يتستوجب التكفير: عقد الشيخ جمال الدين القاسي الدمشقي في كتابه (تاريخ الجهمية والمعتزلة) الموجودة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2842 قسم التاريخ، فصلا في بيان أن المعتزلة أو المرجئة، وكثير غيرهم من الفرق الإسلامية، مجتهدون، ولهم ما للمجتهدين. فكما أن اسم الاجتهاد يتناول في العرف فروع الفقه، فكذلك مسائل الكلام: لعموم مفهوم الاجتهاد لغة، وأصطلاحا، ووجودا. وكيف لا تعد فرق المجتهدين في الأصول من المجتهدين، وهي تستدل على دعواها بالقرآن، أو السنة، وترى أن ماظهر لها منهما هو الحق، دون سواه. ولما تشابهت الآيات والأحاديث في مثل رؤية الإنسان لله سبحانه، وفي مثل إيجاد الإنسان لأعمال نفسه، وفي مثل القرآن قديم أو محدث، ذهب كل فريق إلى ماوراه أوفق لكلام الله ورسوله. وأليق بعظمته. فكانوا لذلك مجتهدين، وفي اجتهادهم مأجورين. وإن كانوا في الغرب من الحق متفاوتين. ثم قال: ولا يصح ذم أهل الفرق على الإطلاق، فقد تلقى أئمة الحديث على كثير منهم، وحملوا السنة النبوية عنهم، وجعلوهم في ذلك حجة بينهم وبين ربهم. القضية السادسة الآحاد والمتواتر من السنة النبوية مصادر العقائد الإسلامية القرآن الكريم هو المصدر الأول للعقائد الإسلامية لأنه كلام الله المنزل على قلب رسوله(ص) وهو كتاب موثق محكم تحدى الله به الإنس والجن وتكفل الله بحفظه، (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) فلا يلحقه نقصان ولا زيادة ولا تحريف. فهو الحق الذي لا مرية فيه ومادام كذلك فإن مايخبر به القرآن هو الصدق والحق. وقد جاءت الآيات القرآنية التي تخبر عن الله تعالى قطعية الدلالة فيما يتعلق بوجوده ووحدانيته، وإحيائه، وأمانته، وبقائه، وبعث الخلق وحسابهم، وإرساله للرسل، وإنزاله للكتب، وخلقه للملائكة والجن، واليوم الآخر. هناك مسائل أخرى ظنية الدلالة، وأن البحث والخض فيها أدى إلى وقوع الخلافات ونشوء الفرق والمذاهب وكثرة الآراء والمذاهب الكلامية، حيث كانت محل اجتهاد بين العلماء، كل يرى رأيه فيها ويدلي بحجته على مايرى والعلماء وإن اختلفوا فيها إلا أنهم لم يختلفوا في الأصل الذي كلفنا الله تعالى بالإيمان به، وهو تنزيه الله تعالى عن النقائص ومشابهة الحوادث، وأوجبوا له كل كمال يليق بذاته. وقد ذكرت كتب التوحيد ما اتفقوا عليه. وما ختلفوا فيه. وأوردت الأدلة النقلية التي استدل بها كل على مايرى. على هذا النحو جرى الخلاف بين الفرق الإسلامية في المسائل التي جر إليها البحث في العقائد. وهو خلاف كخلاف الفقهاء في أحكام الفروع التي لم يرد فيها نص قاطع محكم. وهو خلاف لا يصح أن يصل إلى حد التراشق بالسهام أو إلى التكفير أو التفسيق. فالطريق الوحيد لثبوت العقائد هو القرآن الكريم. وذلك فيما كان من آياته قطعي الدلالة (لا تحتمل معنيين) كالآيات التي ذكرت في إثبات الوحدانية، والرسالة واليوم الآخر. وأما ماكان غير قطعي في دلالته محتملاً لمعنيين فأكثر، فهذا لا يصح وذلك كالآيات التي استدل بها العلماء على رؤية الله بالأبصار في الدار الآخرة. (للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (يونس: 26). (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة) (القيامة: 22 – 23). حيث لم يسلم لهم آخرون من اللعماء فهمهم فيها مستدلين بآية أخرى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). وإن كان القول الأول هو عقيدة أهل السنة والجماعة. والمصدر الثاني: للعقائد الإسلامية ه والسنة المطهرة، ويرى الكثير من أهل العلم أن العقيدة لا تثبت إلا بنص قطعي الورود والدلالة. والمقصود به ما ورد بطرق متواتر وضابط التواتر أن يرويه جمع من الرواة عن جمع من الرواة، بلغوا حداً من الكثرة يستحيل تواطؤهم على الكذب ولابد أن يكون ذلك متحققا في جميع طبقاته، أوله ووسطه ومنتهاه، رواية الكافة عن الكافة حتى يصل إلينا موثقاً بهذه الكيفية عن رسول الله(ص). هذا هو التواتر الذي يوجب اليقين بثبوت الخبر عنه(ص). أما إذا روى الخبر واحد وإن كان صحيحاً فإنه لا يكون متواتراً ويسمى خبر الآحاد، فلا يفيد اليقين عند أكثرهم. وإلى هذا ذهب أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة (مالك – وأبو حنيفة – والشافعي – وأحمد في إحدى روايته). قال اليزدوي: وأما دعوى علم اليقين – يريد في أحاديث الآحاد – فباطلة بلا شبهة، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة، ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر ذلك فقد سفه نفسه وأضل عقله. وقال الغزالي: خبر الواحد لا يفيد العلم، وعدم إفادته العلم معلوم بالضرورة، وما نقل عن المحدثين من أنه يوجب العلم، فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل. وقال الاسنوي: واما السنة فالآحاد منها لا يفيد إلا الظن وقال أيضا: إن رواية الآحاد ان أفادت فإنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية كقواعد أصول الدين، وهناك رأي يرى أنه يفيد اليقين، ولكل وجهة. وهكذا نجد النصوص عند العلماء من متكلمين وأصوليين مجتمعة على أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين فلا تثبت به العقيدة، كابن حزم في كتاب (الأحكام). فلا يكون حينئذ حجة على أحد، ولا تثبت به عقيدة يكفر جاحدها، فإن الله تعالى لو يكلف عباده عقيدة من العقائد عن طريق من شأنه ألا يفيد إلا الظن وأما من يرى أن خبر الآحاد يفيد العلم، ويحدث له به فهم أو إعتقاد أو وجوب العمل به، فمع احترامنا لأصحاب هذا الرأي إلا أننا لا نوافقهم على تكفير مخالفيهم، ومصادرة أراء وأقوال المعارضين. ومن هذا كله يتضح: 1ـ أنه لابد في العقيدة من أن يكون دليلها قطعياً، في وروده ودلالته. 2- وأن ما لم يكن دليله قطعيا، واختلف فيه العلماء، فإنه لا يصح أن يعد من العقائد الأصولية، ولا يكون رأي طائفة معينة فيه هو الحق وما عداه باطل. 3- وأن كتب التوحيد قد ذكرت العقائد القطعية التي كلفنا الشارع بها، كما ذكرت بعض المسائل العلمية التي تعارضت فيها ظواهر النصوص فكانت محل اجتهاد بين العلماء. 4- وأن الاعتقاد أو العمل بحديث صحيح من أحاديث الآحاد لا يستوجب تكفير المخالفين. الخاتمة وبعد: أخي المسلم إن رسول الله(ص) يهتف في أعماقك وسويداء قلبك قائلا: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا ارضا قطع، ولا ظهراً أبقى». ورب العزة جل وعلا ينادينا: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الانفال). إن قواعد الشريعة سمحة مرنة سهلة وسعها الله تعالى فلا تضيقوها، ويسرها فلا تعقدوها وما أنزلها الله تعالى إلا لتحقيق مصالحنا وأولها الوحدة والتوحيد والتآخي والاعتصام بحبل الله تعالى. وإن تعدد الآراء في المسائل المختلف فيها لا يفسد للود قضية، ولا يحول دون الحب والاحترام والتقدير. إن كل الجماعات والفرق الإسلامية على ثغرة من ثغور الإّسلام، تنضوي تحت لوائه وتدافع عن حرماته في حدود مكاناتها وتخصصاتها، وتوجهاتها وتعمل على عودة دولته الضائعة المسلوبة. وأعداء هذا الدين لا يفرقون بين طائفة وأخرى، وإنما يخططون لاستئصال شأفتكم وإلغاء وجودكم. وإن الالتفات عن تلك المهمة وهذا الهدف بان يحارب بعضنا بعضا ويكفر المسلمون بعضهم، ويتصفون بصفة أهل النار كلما دخلت أمة لعنت أختها، إنما هو جريمة موبقة لاتخدم إلا مصلحة أعداء الإسلام. إنني أردت بهذا أن يكون ومضة نور تزيل ظلمة مافي الصدور، وهو تذكرة للمتعنتين، والمتهوسين والمغرضين والمنتفعين المبتلين بالميول العدوانية، وضحالة العلم، وضيق الأفق، واللائذين حين تعوزهم الحجة، ويخالفون في الرأي إلى الشتم واللعن والتكفير، فهذه بضاعة المفلسين ورأس مال المتنطعين. وسيبقى الخلاف مادام هناك اختلاف في العقول والتحصيل والفهم والاستنباط والبيئات. وإن محاولة جمع المسلمين في مذهب واحد وعلى فكر واحد ورأي واحد أمر صعب المنال، وغاية لا تدرك، وهو لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لاسهل فيرتقي، ولا سمين فينتقي، وهو أمر دونه جمع نجوم السماء. والله تعالى يقول: (ولو شاء ربك لجعل النّاس أمة واحدة ولايزالون مختلفين). (هود) لولا التنافس في الدنيا لما وضعت كتب التناظر لا المغنى ولا العمد يحللون بزعـــــم منهـــم عقـــدا وبالذي وضعـــــــوه زادت العقـــــد فما أحوجنا معاشر المسلمين: إلى أن ننشغل بعيوبنا، وطوبى لعبد شغلته عيوبه عن عيب الناس، ونعمل على إصلاح نفوسنا ونحسن الظن بإخواننا المسلمين. -------------------------------------------------------------------------------- [1]– رئيس المركز الإسلامي العام في أوستراليا. [2]– بغية الطالب، ص 257. [3]– النحل: 69. [4]– كتابه بغية الطالب، ص 160. [5]– ورد ذلك في كتابه: صريح البيان، ص 186. [6]– بغية الطالب، ص 35.