الصحوة والحركة الإسلامية وأعراضها السلبية الشيخ محمد علي التسخيري ([1]) رغم المحاولات المشبوهة التي تعمل على انكارها فإن الصحوة الاسلامية عادت حقيقة واضحة لها ظواهرها وآثارها في سوح التصور عن الحياة، ودور الإسلام في صياغة مستقبل الأمة ومسيرتها السياسية والاجتماعية، كما أن لها آثارها في عودة الجماهير الى الإسلام ومفاهيمه ونظمه والدعوة الى تطبيقها في شتى المجالات، وانطراح مسألة الحل الاسلامي للمشاكل المتنوعة التي تعاني منها الأمة. ونحن نشهد اتساع ظواهر الالتزام بالتقاليد الاسلامية في قبال الاساليب المتنوعة التي يحاول البعض تسويقها للساحة الاجتماعية رغم كونها غريبة على الذوق والذهنية العامة لدى المسلمين. ومن مظاهرها فقدان الطروحات والأفكار الغريبة قدرتها التأثيرية، رغم التطبيل والاغراء الاعلامي الواسع. يقول المفكر المرحوم كليم صديقي: (إن التاريخ قد دخل الآن طوراً جديداً، لقد تحقق توقيف تدهورنا وانحطاطنا السريع ... وقد برز فينا إدراك جديد بالقدر والاتجاه والهدف).([2]) ان الصحوة الاسلامية بقيت على امتداد السنين الطويلة الموغلة في العمق تشكل الهاجس المرعب للغرب بعرضه العريض كما توحي كلمات قادته وسياسييه وكتابه ومؤرخيه ومنظريه محذرة من يقظة العالم الاسلامي والبديل الحضاري الذي يقدمه الاسلام مما يقلص من نفوذ الغرب ويقلل من فرص تفوقه. وربما حاول بعض الكتاب الغربيين ان يدفعوا المسلمين الى التسامح بعد اليأس من وجود قوة منافسة للغرب، وهنا تقول السيدة (هانتر) في حديثها عن مستقبل العلاقة بين الاسلام والغرب: إن إمكان ظهور ثقل مضاد اقتصادياً وسياسياً للغرب قابل للنمو، يوفر للدول الاسلامية حليفاً محتملاً ومصدر عون، قد يعزز ميولها التنافسية تجاه الغرب ويحثها على تحدي السياسة الغربية، وفي المقابل فإن فقدان هكذا ثقل مضاد من المرجح أن ينتج موقفاً اسلامياً أكثر تسامحاً)([3]). وهي في كتابها تؤكد على عنصر تسامح المسلمين وربما تلمح الى لزوم انصراف المسلمين عن حالة المنافسة. الأعراض المرضية للصحوة والذي نركز عليه في هذا الحديث هو الأعراض السلبية الكثيرة التي ابتليت بها الصحوة الاسلامية والحركات التي تمثلها ـ ولو في بعض نشاطاتها ـ أملاً في ارتفاع الوعي بهذه الأخطار، ومن ثم العمل على التخلص منها، والسير على طريق الترشيد والتطوير والتأثير الأكبر في صنع غدها الواعد. ويمكننا أن نشير فيما يلي الى بعضها: 1ـ التركيز في عملية تطبيق الشريعة على بعض الجوانب الحياتية ونسيان الجوانب الأخرى مما يترك انطباعاً سيئاً عن العملية وربما يفسح المجال لاعداء الصحوة كي يشهروا بها، بالإضافة الى أن عملية التطبيق نفسها لن تؤتي عطاءها المطلوب إلا في حالة تطبيق باقي جوانب الشريعة. ويبدو ذلك واضحاً من خلال فهمنا للإسلام كأطروحة جامعة مترابطة تحقق توازناً وعدالة في اشباع الحاجات الإنسانية والتي هي بدورها مترابطة اشد الترابط واقعاً. ويمكننا ان نمثل لهذه الحالة بعمليات التطبيق الشرعي التي ركزت على نظام العقوبات، واهملت الحياة الاقتصادية والتربوية والحريات الاجتماعية وفكرة تحقيق العدالة الاجتماعية. 2ـ الاتجاه القشري والسطحي في فهم الشريعة ولا ريب إن هذه الحرفية في القراءة، والسطحية في التفكير افرزت حلولاً ناقصة لا تنسجم مع المنطق وأبعدت النفوس عن تصور الحل الأمثل للمشاكل الحياتية المعقدة عند تطبيق الإسلام، بل قد تدعو ـ واقعاً ـ للسخرية وتبرر للعدو اتهاماته الظالمة أصلاً لهذه العملية بالتخلف والرجعية والتزمت والجمود وأمثالها. ولعلنا نجد في التجربة الأفغانية الطالبانية الكثير من هذه الظواهر بما لا نحتاج معه الى التمثيل. 3ـ الانفصال عن العلماء والمفكرين وحركة الاجتهاد الأصيل وهذا المعنى يعني تحقق اجتهادات ناقصة خصوصاً في قضايا حساسة مما يؤدي الى تطبيقات اعتباطية قد تؤدي الى مخالفات واضحة للشريعة ومقاصدها.. وهذا ما لمسناه في حركات الشباب المتحرق لخدمة الاسلام والمنفصل عن حركة الاسلام الأصيل مما جره الى عواقب غير محمودة. وربما شهدنا بعض المنظرين الغربيين يشجع هذا الاتجاه ومنهم بيدهام برايان إذ يؤكد على لزوم المنع من احتكار الاجتهاد من قبل الفقهاء وفتح مجال (القراءة الحرة للاسلام) للجميع، فالعلماء هم المانع الأكبر لتقدم الأمة وهو يشجع حتى قادة الصحوة الاسلامية على تجاوز هذا المانع.([4]) والغريب أن نجد في عالمنا الاسلامي كتاباً يدعون انتماءهم حتى للحركة الاسلامية يدعون الى رفض ما يسمونه بـ (طبقة العلماء) وفسح المجال لتعميم الاجتهاد، وأن يكون لكلٍ قراءته المستقلة عن الدين، بل ربما دعوا الى نوع من الهرمنوطيقيا المنفلتة.([5]) وما أكثر الحركات التي بدأت مخلصة ولكنها انحرفت بفعل جهل قادتها وعدم اتصالهم بالعلماء، فارتكست في المخالفات وكل ما لا يرضاه الاسلام، بل وانغمست في الالحاد ولا ننسى ما ابتليت به حركات المسلمين السود في أميركا من (ادعاء نبوة الشريف درو علي) و(غيبة فارد علي المنتظر) و(ادعاء النبوة لاليجا محمد) و(الصبغة السوداء المعادية للبيض)، وأمثال ذلك.([6]) 4ـ الانبهار والانفتاح أمام بعض النظريات الغربية باسم التجديد في الفكر الإسلامي، أو التحرك التنظيمي، أو برمجة عملية الثورة والاستفادة من النظريات اليسارية او اليمينية باعتبارها من الحكمة ـ وهي ضالة المؤمن يطلبها أينما وجدها ـ دون ملاحظة انها جزء من كيان له أسسه وبناءاته، فما أن تقبل بالمقتضيات حتى تنجر للقبول بالأسس المرفوضة اصلاً. وهذا ما لاحظناه من بعض اليساريين او اليمنيين في بلدان اسلامية متعددة، مما جر البعض منهم الى ما يقرب من الإلحاد، والعياذ بالله تعالى، أو الى حالة من الهجنة الفكرية التي تجمع بين الاسلام والليبرالية او الاشتراكية، رافعة شعار التطور دون ان تتقيد بضوابط التغيير. 5ـ الاتجاه نحو العنف والارهاب وهو الظاهرة الخطيرة التي قلبت الموازين والاستراتيجيات، ورفعت من حدة الصراع والاتهامات والتحديات وانماط الحصار ضد الأمة الإسلامية ومعالمها ومعاهدها ونشاطها الاجتماعي بما لا نحتاج لتوضيحه. وإذا كانت هذه الظاهرة معلولة لعوامل غريبة على واقعنا، أحياناً، أو تشكل رد فعل متطرف لأفعال معادية أحياناً أخرى، فإنها على أي حال لا تعبر عن تطبيق أمين لنظام الجهاد في الإسلام ـ كما يتصور البعض منا خطأ أو كما يتصوره الأعداء ـ فهم يخططون بما يستطيعون لحذف هذا النظام الأصيل وتعليماته من واقعنا التعليمي، ومن أدبنا وخطابنا السياسي. ولسنا بصدد اثبات هذا المدعى بقدر اهتمامنا بالقول بأن الاسلام يرفض الاستخدام العشوائي لأسلحة الدمار الشامل ـ كما يعبر عنها اليوم ـ سواء على صعيد العمل الفردي أو العمل الحكومي والأنكى من ذلك أن يتم ذلك باسم الإسلام والصحوة. نقول هذا دون أن ننسى إن أميركا التي تدعي قيادة الحملة ضد الارهاب هي التي مولت الارهاب في مختلف الأماكن وخصوصاً الارهاب الصهيوني وهي تستخدم حملتها لفرض عولمتها المجنونة والمتوحشة ـ كما يعبر الكتاب الغربيون أنفسهم ـ([7]) على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها ناقضة بذلك القوانين الدولية ومجامعها، وطارحة مفاهيم ونظريات خطيرة ومن أخطرها فكرة (الحرب الاستباقية)، وفكرة (الثنائية فإما أن تكون معنا أو فأنت ارهابي)، وغيرها. 6ـ الصنمية التنظيمية، واتباع مصلحة التشكيلات قبل كل شيء([8]) وهي ظاهرة قد يمكن تفهمها في جو مادي أو ليبرالي مصلحي ولكن لا يمكن قبولها في المنطق الاسلامي الذي لا يمانع بل ربما يفسح المجال لتنوع في الأحزاب والفصائل المختلفة في اجتهاداتها العملية ولكنه يرفض مطلقاً أن يتحول التنظيم الى قالب فكري حديدي يميت الإرادة الفكرية وقدرة الاعتراض والتأكد من الموقف، ويشجع الذوبان حتى اللاواعي في القادة. ونحن نجد في ثقافتنا الاسلامية الكثير مما يرفض ذلك فقد جاء في تفسير قوله تعالى: (اتخذوا احبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)([9])، إن المقصود هو اصغاؤهم لهم واطاعتهم من غير قيد أو شرط ولا يطاع كذلك إلا الله سبحانه وقد اخذ المفسرون ذلك من روايات عديدة.([10]) 7ـ اليأس والتراخي إذ أن الضربات الموجعة التي توجهها القوى المعادية، وأنماط الحصار الظالم المضروب على الأمة وحركتها الاسلامية، والتهويل الكبير للمصاعب وتشويه التجارب التي نجحت في كسر الحاجز، وكثير غير ذلك ربما يؤدي الى أن يتسرب اليأس الى نفوس العاملين فيخلق حالة من التراخي ونسيان الأهداف الكبرى، بل والهاء النفس واقناعها بالمكاسب الصغيرة، والأساليب الدعوية التي تبتعد عن مجالات التغيير وتكتفي باليسير، تاركة القضايا الكبرى بيد المصير المجهول. وما اتعس حال الفئة التي تفقد الأمل وتستكين للذل بعد أن كان الأمل بالله من مميزات المؤمنين، يقول تعالى: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).([11]) 8ـ الاتجاه نحو الاصلاحات الفرعية وعدم التركيز على التغييرات المركزية ونحن نعلم إن الأمور الفرعية ـ إن لم تلحظ في اطار العملية التغييرية ـ قد تتحول الى أساليب تحذيرية، وربما ساعدت الجهات المحتلة مثلاً عليها لكي تؤمن شيئاً من الرضا الشعبي. وإذا نسيت القضايا المركزية فقدت الأمة حيويتها ومستقبلها. 9ـ عدم تفعيل امكانات الأمة المتاحة ومنها الإمكانات الفنية والأدبية والإمكانات الحديثة، بل وربما اهمل الدور العظيم والتعبوي الذي يمكن أن تقوم به العبادات والاجتماعية منها بالخصوص، كصلاة الجمعة والحج في مجال تربية الإنسان المسلم التغييري الذي يرفض الخضوع لغير الله، والعيش في حياة لا يرضاها الله تعالى. وقد ذكر باحثان جليلان هما الأستاذان السرياني وميرزا عن أثر الحج في استقلال اندونيسيا ان السلطات الهولندية التي احتلت هذه البلاد الاسلامية من عام 1641 وحتى 1945 لاحظت إنه تحدث ثورات قوية بعد كل موسم حج، ورغم إن الكاتبين أرجعا ذلك الى اتصال الحجاج بأخوانهم من الجاويين([12]) إلا أننا نعتقد ان الدور الأكبر هو لعملية الحج نفسها، والتي تربي في الإنسان الحاج الروح التغييرية عبر ربطه بحركة الأنبياء، وهم أكبر المغيرين عبر التاريخ، وخصوصاً سيدنا ابراهيم عليه السلام والرسول الأكرم (ص). ويمكن ايضاً ملاحظة تخوف سلطات الاحتلال الفرنسي من الحج الجزائري مما دفعها لمنعه أو تحديده بشدة([13])، فإذا انتقلنا الى الصعيد الفردي نجد إن الحج ترك آثاراً ضخمة على الكثير الكثير من الحجاج مما لا يمكن احصاؤه. إن فئة تعمل على تعميم الصحوة الاسلامية وتعميقها واستمرار حيويتها يجب أن لا تغفل طاقات الإسلام والمجالات المفتوحة، بل تستغلها بكل قوة وإلا استغلها اعداء الصحوة أنفسهم. 10ـ فقدان الواقعية، وتجاوز المرحلية ذلك إن عملية التغيير تحتاج الى تخطيط فكري ومراحل عملية ولا يمكن الاغراق في التفاؤل والعمل على حرق المراحل، فإنه يؤدي في الغالب الى الارتكاس في الأخطاء، وكشف النواقص، والتراجع لفئات لم تتشبع بعد بفكر الصحوة.([14]) وربما لاحظنا ـ على العكس ـ حركات اسلامية أغرقت في المرحلية فلم تستغل الفرص المتاحة بحجة انها مثلاً مازالت في المرحلة الفكرية فلا يمكنها الإقدام على خطوة عملية. 11ـ الطائفية وهو عرض خطير عانت منه الأمة الاسلامية وجرت لأجله انهار من الدماء والدموع. لقد سمح الإسلام ـ بمقتضى واقعيته ومرونته وتخطيطه ليبقى خالداً في توجيهه للحياة ـ بالاجتهاد، وتنوعت الاجتهادات خصوصاً بعد أن تعقدت الحياة، ونشأت المذاهب غنىً فكرياً لهذه الأمة.([15]) ولكن تحول المذاهب بعد ذلك الى طوائف وتدخل الأهواء الشخصية ومصالح حكام السوء خلق النزاع بينها وافقد الأمة حلاوة الاجتهاد الحر، مما دعى البعض الى اغلاق باب الاجتهاد. ونحن نعلم إن الصحوة لم تنطلق انطلاقاً طائفياً بل تحركت في مسارٍ إسلامي عام فانتجت الكثير الكثير إلا إننا نلمح في الأفق بعض الاتجاهات الطائفية في بعض مجالات الصحوة مما يهدد بإفشالها وتحويلها عن مسارها الصحيح والمطلوب. 12ـ الدوران حول الذات وعدم فتح الجسور مع الآخرين إن حركة الصحوة الاسلامية لا تتم ولا تتحرك في فراغ بل تعايشها اتجاهات أخرى، وعليها أن تمد الجسور معها. فرغهم إن الاتجاهات العلمانية والقومية والاشتراكية وأمثالها شكلت في عقود خلت عقبات كأداء أمام الصحوة فإنها بحاجة اليوم للتعايش مع الصحوة، ولابد للصحوة من فتح حوار معها. وربما يجرها الحوار الى نوع من المهادنة وربما التعاون للقضاء على التخلف والتفرقة القاتلة ومحاربة العدو الأكبر. أما الانغلاق ورفض الآخر فربما جمّع القوى ضدها وأفشل خططها. بل إن فتح جسور مع حركة المعنويات في العالم والجهات الخيرة، والمدافعة عن حقوق الإنسان والمحرومين والمستضعفين سوف يعود بالخير. وقد شهدنا أخيراً بعض محاولات الانفتاح.([16]) 13ـ الاتجاه القطري والاقليمي ونحن نلاحظ إن بعض عناصر الصحوة والحركة الاسلامية يتجه اتجاهاً ذاتياً قطرياً او اقليمياً ينعزل به عن اهتمامات مجمل التحرك العام بل ويعمل على تكوين خصائص جغرافية له ينذر نفسه لها ولا يهتم بالخروقات التي تحدث في أماكن أخرى إلا اهتماماً عابراً بحجة (الأقربون أولى بالمعروف) متناسين إن العدو سيتفرد بهم بعد أن يفقدوا مدد الأمة. على أن الأطر الجغرافية نفسها قد تتحول الى قيود وعوامل لتصفية النظرة الاسلامية العالمية وهي أهم ركائز الصحوة ومميزاتها. ولا نريد أن نعطي أمثلة لهذه الحالة لما يستتبع ذلك من حساسيات ونكتفي بالإشارة العامة. 14ـ فقدان التخطيط الاستراتيجي المستقبلي وهي حالة تعيشها الأمة ويعيشها العالم الثالث فلا يوجد تنظير للمستقبل، ولا توجد أقسام لدراسة المستقبليات، ولا رؤى تحدد ما سوف يواجه الأمة حتى في المستقبل المنظور. وواضح إن الذي يمشي دون تخطيط مكباً على وجهه مرشح للعثرات القاتلة، وحاطب الليل قد يقطع يده هو. إن الدراسات المستقبلية عادت تشكل اقساماً جامعية مهمة في الغرب وتمهد الجو للنظريات الاستراتيجية. ونحن نعتقد ان زوبعة (الآيات الشيطانية) ذات المظهر الأدبي، ونظريات (صراع الحضارت) و(نهاية التاريخ) ذات المظهر التاريخي، وفكرة (الحروب الاستباقية) الواردة في السياق العسكري، وبعض ارهاصات (العولمة) وحتى بعض المصطلحات من قبيل فكرة (القرية الصغيرة) و(الحدود المفتوحة)([17]) المطروحة في المجال الاقتصادي شكلت في مراحل ما بالونات اختبار قبل أن تتخذ سبيلها الى واقع العلاقات الدولية. فأين الصحوة الاسلامية من هذه المعادلات؟ 15ـ ظاهرة التمزق وتراشق الاتهامات وهي ظاهرة يمكن قبولها في مجال الاتجاهات المادية، ولكن الاتجاه الاسلامي لا يتحمل مطلقاً هذه الأعراض فالهدف واحد وروح التسامح وقبول الاجتهاد الآخر والتعامل مع الآخرين بروح الأخوة وفي اطار الوحدة لا تنسجم مطلقاً مع عمل أحدنا على اجهاض مشاريع الآخر إلا إننا مع الأسف نلحظ وقع هذه الحالة الى الحد الذي يهدد وجود الصحوة وهويتها وهي الداهية الدهياء. 16ـ العمل الاسلامي في أوقات الفراغ وكثيراً ما نجد العاملين يخصصون اوقات فراغهم للعمل الاسلامي، اما وقتهم الرئيسي فمتروك لشؤونهم الشخصية أو حتى للعمل مع الهياكل التقليدية المرفوضة وحينئذ تعود الحركة الاسلامية حركة هامشية كما يعبر كليم صديقي([18]) في حين ان الأمر يتطلب أن يكون رفد الصحوة هاجسنا الأكبر. ملاحظات تعقيبية الأولى: ما ذكرناه من ظواهر قد يكون بعضها داخلاً في عموم الآخر، كما قد يكون بعضها معلولاً للآخر ولكننا نعتقد إنها جميعاً تستحق افرادها بعنوان مستقل لأهميتها. الثانية: نستطيع أن نعبر عن هذه الأعراض بأنها تحديات داخلية تؤدي الى نفس ما تؤدي اليه التحديات الخارجية، أو فلنعبر بأن التحديات الخارجية تمتد في الفراغ الذي تحدثه هذه التحديات، وربما كان بعضها معلولاً للتحديات الخارجية نفسها فقد عمل الغرب لعشرات العقود وخصوصاً في القرنين 19 و20 على تكريس حالتي التخلف والتمزق بشتى أنواعه ومنها الطائفي، في الأمة. الثالثة: وتستحق عملية المعالجة وبالتالي ترشيد الصحوة أن يفرد لها بحث خاص إلا أن عناصرها تبدو واضحة عند استعراض هذه الأعراض ونشير فيما يلي الى بعض ما يجب عمله على ضوء ما سبق: 1ـ ضرورة السعي لتشجيع عملية التطبيق الكامل والمترابط للشريعة. 2ـ لزوم التعمق في فهم الشريعة ومقاصدها، والابتعاد عن السطحية. 3ـ ضرورة تحكيم دور العلماء والمجامع العلمية، وتفعيل عملية الاجتهاد الحر. 4ـ مراقبة التيارات الوافدة، والتحذير من الانبهار بها. 5ـ بيان الوجه الرحيم للإسلام ونبذ الارهاب، ولكن لا يعني هذا الانظلام، والسكوت على عمليات الكفر الارهابية. 6ـ نبذ المظاهر الصنمية في العمل الحركي. 7ـ بعث روح الأمل في جماهير الصحوة. 8ـ التركيز على العمل التغييري، دونما نسيان للأعمال الاصلاحية الفردية في سياق العمل التغييري. 9ـ الاستفادة من كل الإمكانات المتاحة. 10ـ التحلي بالواقعية في العمل. 11ـ نبذ الطائفية. 12ـ فتح الجسور المعقولة مع الآخرين. 13ـ تحكيم روح الإسلام السياسي العالمية. 14ـ اعتماد مبدأ التخطيط المستقبلي بعيد المدى. وهناك أمور أخرى نكلها للدراسات المفصلة.([19]) الرابعة: ر بما يقال: إن هذه الأمور لا ترتبط بالقادة السياسيين فما معنى توجيه توصيات لهم بهذا الشأن؟ إلا أن من الواضح أن الأمر يرتبط بهم ولو بشكل غير مباشر ذلك: أولاً: لأن بيدهم الكثير من أزمة الأمور في هذه الأمة، وقضية الصحوة وترشيدها هي قضية الأمة بلاريب، فلا يمكن أن يعفوا أنفسهم من المسؤولية. وثانياً: لأن الكثير من هذه التوصيات ترتبط بهم مباشرة، خصوصاً بعد أن طالبت بعض المجامع العلمية التابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي بأمثال هذه التوصيات.([20]) وثالثاً: فإنهم يستطيعون ان يوفروا الأجواء المناسبة لقيام الجماهير وتنظيماتها المدنية بأدوار رئيسة لتحقيق ذلك. والله ـ تعالى ـ هو الموفق -------------------------------------------------------------------------------- [1]– الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. [2] ـ افتتاحية (كرسنت) الكندية في 15 اغسطس، 1980. [3] ـ مستقبل الاسلام والغرب، تعريب زينب شوربا، ص 225. [4] ـ في مقالات نشرها تباعاً في الاكونوميست اللندنية عام 1974. [5] ـ يراجع كتابنا (الحوار مع الآخر)، ص 162. [6] ـ يراجع مقال الأستاذ آدم بمبا عن الداعية الأميركي مالكوم اكس في ندوة الحج الكبرى بمكة عام 1423. [7] ـ رسالة المسلم في حقبة العولمة، ص 515. [8] ـ يراجع ما كتب حول هذه الظاهرة في كتاب (ثقافة الدعوة) الصادر عن حزب الدعوة الاسلامية في العراق. [9] ـ التوبة، الآية 31. [10] ـ تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج9، ص 255. [11] ـ سورة النساء، الآية 104. [12] ـ القيت المحاضرة في ندوة الحج الكبرى في موسم حج عام 1424 هـ. [13] ـ نفس الندوة مقال عن مكة وعوالمها في فكر مالك بن نبي للاستاذ مولود عويمر. [14] ـ (ثقافة الدعوة) نشر حزب الدعوة الاسلامية في العراق. [15] ـ يراجع كتاب قصة الطوائف للأستاذ الانصاري، ص155 ـ 220. [16] ـ من قبيل مؤتمر الحوار الاسلامي القومي في بيروت، ومؤتمرات الحوار المسيحي الاسلامي المتعـددة في بيروت والقاهرة وطهران والخرطوم وبعض الدول الأوروبية. [17] ـ وهي مصطلحات روج الغرب لها لأغراض في نفسه. [18] ـ في محاضرته في اجتماع منظمة الشباب الاسلامي بالرياض عام 1976م. [19] ـ تراجع مقالاتنا حول الموضوع: مجلة رسالة التقريب العددان 34، 35 ص 227؛ كتاب قطر (رسالة المسلم في حقبة العولمة)، ص 510؛ الصحوة الاسلامية في مؤتمرات متنوعة. [20] ـ من قبيل التوصية الصادرة من مجمع الفقه الاسلامي في دورته الخامسة حول تطبيق الشريعة الاسلامية (قرار رقم 10).