أولاً: وجوب الوفاء بالعهد للعدو مهما كانت الظروف، مادام ثمة التزام به من قبله، وهو ما وردت به الآيات المحكمة منها: قوله تعالى:(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولاتنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون). وقوله تعالى:(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً)([130])، وغيرهما من الآيات الكريمة التي تحث على الوفاء بالعهد، وتثني على الملتزمين به. التزام النبي صلى الله عليه وسلم بالعهد في أقصى الظروف التي مرت به وبأصحابه رضوان الله عليهم دليل عملي تطبيقي على الالتزام بالعهود، والمواثيق، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي رافع وقد أرسلته قريش فأراد المقام عنده والبقاء بالمدينة، وأنه لا يريد الرجوع إليهم، فقال: (إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إلى قومك، فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع)، وقال صلى الله عليه وسلم(من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقداً، ولا يشدنه حتى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء). ولما أسرت قريش حذيفة بن اليمان وأباه أطلقوهما، وعاهدوهما أن لا يقاتلاهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا خارجين إلى بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم).([131]) (وهناك مثال طريف لنوع من المواثيق والعهود لا نجده إلاّ في العصر الحديث، وهو ذلك العهد الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران باليمن يلتزم لهم فيه بحرية عقيدتهم ماداموا مسالمين…).([132])