والآية خاصة بالمشركين غير شاملة لأهل الكتاب، فالمراد بكون الدين لله سبحانه وتعالى هو أن لا يعبد الاصنام ويقر بالتوحيد، وأهل الكتاب مقرّون به([507]). ودعا القرآن الكريم إلى رد العدوان المحتمل الوقوع، لكي لا يعتدى على المسلمين بغتة، ومن ثم تهديد كيانهم بالفناء. قال الله تعالى:(واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء انّ الله لايحب الخائنين)([508]). وتفسير الآية: انه يجب ابلاغهم بالغاء العهد ولايجوز قتالهم قبل الابلاغ لانّ ذلك خيانة، امّا إذا لم يحتمل الخيانة فلا يجوز نقض العهد معهم([509]). وفي تفسير آخر: وان توقعت من قوم معاهدين خيانة ونكثاً للعهد بوجود امارات ظاهرة وقرائن تنذر بها، فاقطع عليهم طريق الخيانة قبل وقوعها بان تنبذ إليهم عهدهم وتنذرهم بأنك غير مقيد به ولامهتم بأمرهم، بطريق واضح لاخداع فيه ولا استخفاء، والحكمة في هذا انّ الإسلام لايبيح الخيانة مطلقاً([510]). وعلى ضوء ذلك يمكن القول: انّ ما اصطلح عليه الفقهاء بالجهاد الابتدائي هو في الواقع يحمل روح الجهاد الدفاعي لرد عدوان محتمل الوقوع، لانّ أعداء الإسلام عموماً لايروق لهم تقرير مفاهيمه وقيمه في واقع الحياة ولهذا فانهم يسعون للقضاء عليه وتحجيم دوره ومنع الشعوب من تبنيه عقيدة وفكراً في الواقع. وفي جميع الظروف والاحوال فانّ القتال موقف استثنائي لم يشرع إلاّ لحماية الإسلام فكرة وعقيدة ووجوداً، ولذا فهو يدعو للتعامل بالبر والعدل مع غير المقاتلين(لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم انّ الله يحب المقسطين)([511]).