العالمية في السنة النبوية لم تبدأ الرسالة الإسلامية كرسالة محلية قبلية أو قومية ثم تطورت لتصبح رسالة عالمية لكل الأقوام والشعوب، بل كانت عالمية منذ انطلاقتها الأولى، فهي عالمية في مجالها التصوري والنظري، وعالمية في مجالها التطبيقي، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ انطلاقته الاولى يوجه الانظار والعقول والقلوب باتجاه العالمية وان كان يتحرك في ميدان محدود في مكة وعلى مستوى القبيلة أو العشيرة، وهذا أمر واضح وملموس من خلال متابعة السيرة المطهرة. عن عفيف(اخو الاشعث بن قيس لأمه): كنت امرءاً تاجراً فقد مت منّى ايام الحج، وكان العباس بن عبدالمطلب امرءاً تاجراً فأتيته ابتاع منه وابيعه، فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء فقام يصلي تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلي، وخرج غلام فقام يصلي معه. فقلت: يا عباس ما هذا الدين؟ ان هذا الدين ما ندري ما هو؟ فقال: هذا محمد بن عبدالله يزعم ان الله ارسله وان كنوز كسرى وقيصر ستفتح له، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمنه به. قال عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت اكون ثانياً تابعه.([483]) ولما أتى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ثلاث سنين انزل الله عليه:(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقام على الحجر وقال:(يا معشر قريش ويا معشر العرب أدعوكم إلى عبادة الله وخلع الأنداد والأصنام، وأدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين بها لكم العجم).([484]) وفي غزوة الخندق كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون محاصرين من كل جانب، وفي هذه الظروف كانت الدعوة العالمية واضحة المعالم، ففي اثناء الحفر لمعت تحت