وفي تفسير آخر: ان عنده كمال الدين الذي به حياة الناس الطيبة، وفي أي مكان فرضوا وفي أي زمان قدر وجودهم … أمر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلن بنبوته الناس جميعاً من غير أن تختص بقوم دون قوم.([455]) وهي لا تختص بقوم ولا أرض ولا جيل، جاءت كاملة في اصولها قابلة للتطبيق المتجدد في فروعها، وجاءت للبشر جميعاً لأنه ليست هناك رسالات بعدها للأقوام والأجيال في كل مكان، وجاءت وفق الفطرة الإنسانية التي يلتقي عندها الناس جميعاً. وهذه الآية التي يؤمر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يواجه برسالته الناس جميعاً، وهي آية مكية في سورة مكية، وهي تجبه المزوّرين من أهل الكتاب الذين يزعمون ان محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يدور في خلده وهو في مكة ان يمد بصره برسالته إلى غير أهلها، وانه إنّما بدأ يفكر في أن يتجاوز بها قريشاً، ثم يجاوز بها العرب إلى دعوة أهل الكتاب، ثم يجاوز بها الجزيرة العربية إلى ما وراءها، كل أولئك بعد أن أغراه النجاح الذي ساقته إليه الظروف.([456]) ومن الآيات المكية الدالة على عالمية الرسالة الإسلامية، قول الله سبحانه وتعالى:(تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً).([457]) وهذا النص المكي له دلالته على اثبات عالمية هذه الرسالة منذ أيامها الأولى … فهي منذ نشأتها رسالة للعالمين، طبيعتها طبيعة عالمية شاملة، ووسائلها وسائل انسانية كاملة، وغايتها نقل هذه البشرية كلها من عهد إلى عهد ومن نهج إلى نهج عن طريق هذا الفرقان الذي نزله الله على عبده ليكون للعالمين نذيراً، فهي عالمية للعالمين والرسول يواجه في مكة بالتكذيب والمقاومة والجحود.([458]) ومن الآيات المباركة قوله سبحانه وتعالى:(وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين).([459])